بعيدا عن التدقيق الصارم الذي واجهه في العاصمة واشنطن، كان شو زي تشيو الرئيس التنفيذي لشركة تيك توك يحقق أكبر فائدة من جمهوره أثناء تكريمه في مناسبة أقيمت هذا الشهر في إندونيسيا.
مرتديا قميص الباتيك التقليدي، استقبل السنغافوري جمهورا متحمسا في العاصمة جاكرتا. ووسط أضواء الديسكو الوامضة والموسيقى المبهجة، أعلن وسط تصفيق المسؤولين الحكوميين والمعجبين أن تيك توك “ستستثمر المليارات” في جنوب شرق آسيا. وقال إن إندونيسيا تحديدا ستتلقى استثمارات بقيمة عشرة مليارات دولار من تيك توك على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.
كانت هذه المناسبة الاحتفالية على النقيض تماما من المساءلة التنظيمية التي واجهها في آذار (مارس) الماضي في الولايات المتحدة. حيث عانى شو – مرتديا بدلة هذه المرة – لمدة خمس ساعات الاستجواب في هجوم شنه الحزبان من لجنة في الكونجرس في مبنى الكابيتول هيل. وقد تم وصف تطبيقه لمقاطع الفيديو القصيرة الذي يحظى بشعبية كبيرة، لمالكته شركة بايت دانس الصينية، بأوصاف مختلفة بأنه “سرطان” وأداة مراقبة.
إن هذه المعارضة السياسية ومحاولات حظر تيك توك في الولايات المتحدة تفسر جزئيا الجهود المنسقة الجارية حاليا في جنوب شرق آسيا، حيث أصبح عدد سكانها البالغ 700 مليون شخص حاسمين لنجاحها في المستقبل.
فيما تسعى بايت دانس الشركة الأم لتيك توك إلى تبرير تقييمها البالغ 300 مليار دولار، الذي يجعلها الشركة الخاصة الناشئة الأعلى قيمة في العالم، وذلك قبل طرح عام أولي متوقع في العامين المقبلين.
هذا يجعل البحث عن الإيرادات في جنوب شرق آسيا أمرا بالغ الأهمية لمستقبلها. فقد تم إطلاق التطبيق في المنطقة فقط في 2021، لكن من المقرر أن تضاعف تيك توك شوب، وهي سوقها الداخلية، مبيعات التجارة الإلكترونية هذا العام في إندونيسيا التي بلغت 2.5 مليار دولار العام الماضي، وذلك وفقا لشخصين على دراية بمبيعات الشركة.
كما أن الأرقام أعلى من ذلك بالنسبة إلى المنطقة ككل. إذ من المتوقع أن يصل إجمالي مبيعات البضائع للتطبيق إلى 15 مليار دولار في جنوب شرق آسيا هذا العام، وهو رقم سيمثل الجزء الأكبر من مبيعاته على مستوى العالم، كما أن الرقم أعلى بكثير من المبيعات المسجلة العام الماضي التي بلغت 4.4 مليار دولار، وفقا لتقديرات الصناعة.
تتيح خدمة التجارة الإلكترونية من تيك توك للعلامات التجارية والمؤثرين ربط المنتجات للشراء في مقاطع الفيديو أو البث المباشر لبيع المنتجات المتاحة للشراء داخل التطبيق. وعلى الرغم من أن الشركة تتكبد الخسائر، إلا أنها مدعومة من الشركة الأم، التي حققت أرباحا أساسية قياسية العام الماضي بلغت 25 مليار دولار.
لكن حتى في آسيا، تواجه شركة بايت دانس تدقيقا شديدا. حيث انتقدت سلطات جنوب شرق آسيا المحتوى على منصتها هذا العام، مع إعلان فيتنام مراجعة للتطبيق. كما تم حظر الشركة بالفعل في الهند، التي تعد سوقا أخرى ضخمة.
فيما يقول الخبراء إن التهديد الذي يشكله التنظيم، إلى جانب المنافسة المتزايدة من المنافسين، يعني أن تيك توك باتت تبدو ضعيفة للمرة الأولى.
قال سايمون تورينج، الشريك المؤسس لشركة كيوب آسيا، وهي منصة لأبحاث التجارة الإلكترونية تركز على المنطقة: “أود أن أقول إن نمو تيك توك شهد انخفاضا للمرة الأولى في جنوب شرق آسيا. وحتى الآن، كان النمو إيجابيا حيث ظهر التطبيق عنصرا ثوريا ونما بسرعة كبيرة. وكي تصل الشركة إلى 15 مليار دولار هذا العام، عليك أن تفترض أنه لن يسير أي شيء على نحو خاطئ على الإطلاق”. وتتوقع كيوب آسيا أن تكون المبيعات للعام بأكمله أقل من ذلك عند 12 مليار دولار إلى 13 مليار دولار.
قالت وزارة الإعلام الفيتنامية في نيسان (أبريل) إنها ستحقق في منصة تيك توك في البلاد لأن محتواها “السام” على منصة الفيديوهات القصيرة “يشكل تهديدا لشباب البلاد وثقافتها وتقاليدها”. سبق أن أجبرت فيتنام شركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى مثل جوجل وفيسبوك على تقديم بعض التنازلات. ووفقا لبيانات كيوب آسيا، كانت مبيعات تيك توك في ذلك الشهر أقل بكثير مقارنة بالفترات السابقة.
في إندونيسيا، أثار انتشار “التسول عبر الإنترنت” على تيك توك استنكارا قويا من جاكرتا في كانون الثاني (يناير). حيث أدى الانتشار السريع لهذا الاتجاه إلى إثارة قلق الحكومة – الذي تظهر فيه نساء مسنات وهن يسكبن مياه النهر الوسخة على أنفسهن أثناء بكائهن، مقابل هدايا يتلقينها من المشاهدين والتي يمكن تحويلها إلى نقود.
قال جيانجان لي، الرئيس التنفيذي لشركة مومينتوم ويركس للأبحاث: “إن المخاطر التنظيمية لا تقتصر على الولايات المتحدة أو أوروبا. هذا هو السبب في أنه كلما استمرت تيك توك في التأكيد على أنها جيدة للشركات المحلية والصغيرة، فمن المحتمل أن تكون أفضل حالا”.
بينما قال شو في جاكرتا، إن تيك توك أرادت “أن تلهم على الإبداع وإضفاء البهجة”، مقدما أمثلة على كيفية قيام المؤثرين في جميع أنحاء المنطقة بتنمية أعمالهم ودخلهم. واستشهد برائدة أعمال إندونيسية في مجال الأزياء التي استخدمت ثلاثة ملايين متابع لها على تيك توك لجذب عملاء جدد “لفتح ثلاثة مستودعات جديدة وتوفير عشرات الوظائف في مجتمعها”.
فيما لا تزال شركة تيك توك المعروفة بأهدافها الطموحة، تتوقع نموا هائلا في آسيا. حيث قال مسؤول تنفيذي في تيك توك في المنطقة إن 15 مليار دولار يمكن أن يكون مبلغا “متواضعا للغاية” نظرا إلى قوة المبيعات على مدار العام حتى الآن. كما قال الشخص الذي طلب عدم الكشف عن هويته، إن الموجة الأولى من النمو التي شهدتها إندونيسيا على مدى الأشهر الـ12 الماضية تحدث الآن في تايلاند وفيتنام والفلبين والتي “يمكن أن تفاجئ بارتفاعها”.
مع ذلك، تواجه تيك توك التحدي في آسيا المتمثل في التحرك خارج العناصر ذات متوسط قيم الطلبيات المنخفضة في الموضة والجمال، والمسؤولة عن قدر كبير من نموها، إلى بضائع ذات أسعار أعلى. قال مسؤول تنفيذي في إحدى منصات التجارة الإلكترونية المنافسة في البلاد التي تركز على الإلكترونيات: “إنهم جيدون في مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، ولكن فيما يتعلق بالإلكترونيات أو البضائع المنزلية وغيرها من العناصر ذات هوامش الربح المرتفعة، فإنهم يعانون على الرغم من الجهود القوية التي بذلوها”.
كما ينظر إلى اعتماد الشركة الكبير على الأطراف الثالثة في عمليات التسليم على أنه نقطة ضعف. فإندونيسيا تتكون من آلاف الجزر وفيها كثير من القرى النائية.
قال روشان راج، رئيس شركة ريدسير للاستشارات: “كان هناك بعض التراجع من العملاء خارج المناطق السكانية الرئيسة في جاوة. إن الشركات القائمة لديها إمكانات لوجستية داخلية قوية، لذلك من وجهة نظر تجربة التوصيل، فإن تيك توك تحصل على تصنيف أدنى”.
قد يكون استياء العملاء معوقا حيث تستعد الشركات القائمة للدفاع عن مكانتها ضد شركة تيك توك. فيما لا تزال منصة شوبي المملوكة لشركة سي المدعومة من شركة تينسنت وشركة لازادا التي تملكها شركة علي بابا، وهما منصتان إقليميتان للتجارة الإلكترونية، هما القوة المهيمنة في جنوب شرق آسيا. وقد تباطأ نمو مبيعات الشركتين على مدار الـ18 شهرا الماضية مع تركيزهما على خفض التكاليف وتحقيق الأرباح. وتستعد الشركتان الآن لتصبحا أكثر جرأة وتركيزا على إجمالي مبيعات البضائع.
حصلت لازادا على دفعة مالية من شركة علي بابا هذا العام ومن المقرر أن يتم تجديد استراتيجيتها وإصلاحها تحت القيادة الجديدة لجيانج فان، الذي ساعد في تنمية أعمال شركتي تاوباو وتي مول المملوكتين للمجموعة الصينية. ومن المتوقع أن تعود منصة شوبي المملوكة لشركة سي للنمو مرة أخرى بعد تسليم الأرباح لربعين سنويين للمساهمين.
كما استشعرت الشركات الجديدة الوافدة فرصة في عدد السكان الضخم في جنوب شرق آسيا. حيث يبحث تطبيق تيمو، وهو التطبيق الشقيق لمجموعة بيندودو الصينية للتجارة الإلكترونية، التي تبيع البضائع الصينية، في مسألة دخول السوق بعد نجاحه في الولايات المتحدة وإطلاقه في أوروبا.
قال لي: “الأمر يشبه 2017 في الصين عندما اعتقد الجميع أن شركة علي بابا فازت بالتجارة الإلكترونية. لقد كانوا مخطئين. لأن الديناميكيات نفسها تلعب الآن في جنوب شرق آسيا وشركة بايت دانس تعرف ذلك”.