الذكاء الاصطناعيالرئيسية

هل يمكن التوفيق بين مركزية الذكاء الاصطناعي ولامركزية التشفير؟

هاشتاق عربي

في عام 1865، أصدرت بريطانيا قانون “العلم الأحمر” سيئ السمعة – الذي استُنسخ في العديد من الأماكن الأخرى- لتنظيم سير المركبات ذاتية الدفع. تطلب الأمر طاقماً من ثلاثة أفراد لكل مركبة، يمشي أحدهم 60 ياردة أمامها بعلم أحمر لتحذير الخيول والركاب من اقترابها. كما فرضت أيضاً حداً للسرعة أربعة أميال في الساعة، أو ميلين في الساعة في المناطق المأهولة.

ما أهمية ذلك الآن؟ لأن المحاولات الدائرة بعد نحو 158 عاما ً لتنظيم العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي ستبدو سخيفة بالقدر نفسه للأجيال المقبلة. فالتكنولوجيا تغير المجتمع وفقاً لطريقة توظيفها، وما يريد الناس أن يفعلوا بها، وليس وفق القواعد التنظيمية المحافظة التي يقرها مسؤولون يفتقرون للفهم والإدراك السليم.

منافسة بين الذكاء الاصطناعي والتشفير
أدى انهياربورصة العملات المشفرة “إف تي إكس” (FTX) في نوفمبر 2022، مختتماً “سنة مروعة” لاسم كبير، وإخضاع العملات الرقمية لقواعد تنظيمية إلى جانب الإصدار التجريبي لروبوت الدردشة “تشات جي بي تي” في الشهر عينه، إلى هروب رأس المال الجرئ من التشفير إلى الذكاء الاصطناعي. وثمة اتجاه بين الأكاديميين وكبار المطورين يفضل فيما يبدو التقدم المطرد والهادئ للعمل في مجال الذكاء الاصطناعي على العملات المشفرة الموسومة بالفضائح وفترات الازدهار والانهيار. وتعد هذه الاتجاهات ذات أهمية للمستقبل أكثر من أي شيء يحدث في واشنطن، أو صعود وهبوط “بتكوين”، أو كيفية تخصيص رأس المال غير الجرئ. لقد غيرت السيارات- والراديو والإنترنت والهندسة الوراثية- المجتمع بطرق أساسية لا علاقة لها برغبات الجهات التنظيمية أو أسعار الأسهم أو أي شيء كانت وسائل الإعلام تغطيه في ذلك الوقت.

تعكس المنافسة بين العملات المشفرة والذكاء الاصطناعي على قلوب مبتكري التكنولوجيا وعقولهم، ومحافظ أصحاب رؤوس الأموال الجرئية، انقساماً أكثر شمولاً. فالذكاء الاصطناعي تقليديٌ يدار بشكل مركزي، حيث تتعامل محركات بحث ذكية مع جميع البيانات في كل مكان لتحديد المشكلات أو أوجه الخلل فيها وتتخذ قرارات لمجموعة صغيرة من المصممين البشريين بخصوص كيفية حلها. أما التشفير فلامركزي بالأساس. فجميع المعلومات التي يمكن التحرك على أساسها يحتفظ بها أفراد لا صلة بينهم ولا رابط. فلا أحد يتحكم في النظام.

الذكاء الاصطناعي يستفيد من لامركزية التشفير
ليس من قبيل المصادفة أن العملات المشفرة نفذت إلى الوعي العام من خلال الفشل المركزي الكبير للأزمة المالية لعام 2008، بينما انطلق الذكاء الاصطناعي بعد جائحة 2020 التي ذكّرت الناس بأنهم جميعاً متصلون مترابطون، شاؤوا أم أبوا.

يخيف التشفير الناس لأنه يهدد قدرة المؤسسات البشرية المركزية على تحصيل الضرائب، وتنظيم السلوك مثل تعاطي المخدرات، والجنس، والمقامرة، والمواد الإباحية، والإثارة، وما إلى ذلك. أما الذكاء الاصطناعي فيخيفهم لأنه يهدد قرارات الإنسان الفردية وخصوصيته، وينظم كل السلوك البشري في نظام شمولي أشبه بالكابوس، أو ربما يحل محل البشر تماماً. هناك مشكلة أخرى تتعلق بالذكاء الاصطناعي التقليدي وهي أنك عندما تحصل على المعلومات، فإنك تحصل عليها كلها بما فيها من تحيز وتعصب وخطأ بالإضافة إلى محتوى جيد.

لكن نظرة أعمق على الأحداث الأخيرة تظهر صورة أكثر تعقيداً. تستخدم المجالات الأكثر تطوراً في الذكاء الاصطناعي، مثل توليد اللغة الطبيعية والتعرف على الصوت ومنصات التعلم الآلي، تقنية التشفير لبناء ضوابط لامركزية. فمناهج الذكاء الاصطناعي من الجيل الأول، التي تتعامل مع جميع المعلومات، تفشل الآن لأن الكيانات التي تتحكم في المعلومات اليوم ليست على استعداد للتخلي عنها لصالح خوارزمية مجهولة الهوية ليست تحت سيطرتها. ويسمح التشفير لأصحاب المعلومات بالاستفادة من تحليل الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لمحركات البحث الخاصة بهذه التقنية أو مطوريها للوصول إلى المعلومات الأساسية. ويسمح التعلم الموحد للجهات الفاعلة المستقلة واللامركزية ببناء أداة مشتركة وقوية للذكاء الاصطناعي واستخدامها، دون مشاركة البيانات. إن العديد من مشروعات الذكاء الاصطناعي الأكثر إثارة معدة لكي تُسلم للأفراد للتحكم فيها من أجل جمع المعلومات واتخاذ القرارات، دون الكشف عن أي شيء عن الفرد إلى الإنترنت بشكل عام.

التشفير يستفيد من مركزية الذكاء الاصطناعي
في الوقت نفسه، يستغل العديد من مشروعات التشفير الذكاء الاصطناعي لبناء هياكل معقدة من الأجزاء اللامركزية. ومن الأهداف الأساسية لمعظم العملات المشفرة هو القدرة على الدمج والتركيب – فبمجرد إنشاء تطبيق ما، يجب دمجه بسهولة كمكون معياري لأي تطبيق أكبر.

صُممت مشروعات التشفير من الجيل الأول مع وضع المطورين البشريين في الاعتبار، لكن الذكاء الاصطناعي يوفر إمكانيات هائلة لبناء هياكل أكبر وأفضل بكثير مع تطبيقات لامركزية قابلة للإنشاء سريعاً. وما نسميه عقداً “ذكياً” في التشفير اليوم هو في الواقع “غبي” من حيث إنه يتكون من قواعد غبية يختارها الأطراف البشرية المقابلة. وإذا جمعت ما يكفي من القواعد الغبية، فقد يبدو العقد ذكياً، لكن هذا مجرد وهم؛ فالتعقيد ليس ذكاء. علاوة على ذلك، لا يجيد البشر توقع جميع السيناريوهات المستقبلية المحتملة. ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يبرم عقوداً ذكية حقاً، والتي يمكن أن تغير العديد من مجالات التفاعل البشري.

يتخيل معظم الخيال العلمي، الذي يقوم على إطاعة أجهزة الكمبيوتر أوامر البشر، أجهزة يمكنها الوصول إلى جميع المعلومات، والتي تتبع التعليمات البشرية بإذعان. ويتعامل عدد قليل من قواعد الخيال العلمي الكلاسيكية – وأشهرها قوانين الروبوتات الثلاثة لإسحاق عظيموف- مع التناقض الضمني لهذه الرؤية. ولكن الآن بعد أن بدأنا بناء خوارزميات تدير بالفعل جزءاً كبيراً من العالم وقريباً قد تديره كله، فقد يكون اختيار المزيج الصحيح من المركزية واللامركزية هو أهم قضية اجتماعية في ذلك الوقت- أكثر أهمية من السياسة أو الابتكارات في المجالات غير المعتمدة على الكمبيوتر. وأي خيار نتخذه يجب أن يُصمّم بعناية فائقة حتى لا يمكن تحطيمه إما من خلال الأنشطة البشرية اللامركزية التي تؤدي إلى الفوضى، أو خوارزميات الذكاء الاصطناعي المركزية التي تفضي إلى أن يصبح البشر عبيداً للآلات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى