في أوائل الثمانينيات، أرسل كارل هان، رئيس مجلس إدارة شركة فولكسفاجن، مهندسيه لبدء تصنيع سيارات سانتانا فولكسفاجن السيدان في شنغهاي. ودفاعا عن القرار، قال المدير لكبار مساعديه في فولفسبورج “إن فولكسفاجن يمكن أن تحقق أشياء عظيمة في الصين إذا استطعنا الاستفادة من إمكاناتها الهائلة، فسنتجاوز ما حققناه في بلدان أخرى”.
كان هان، الذي توفي بداية هذا العام، على حق من ناحيتين. أدى صعود الطبقة المتوسطة في الصين إلى صنع أكبر سوق للسيارات في العالم. وتمتعت شركة صناعة السيارات الألمانية -وهي واحدة من أوائل المجموعات الأجنبية التي أظهرت ثقتها بالصين الجديدة بقيادة دنج شياو بينج- لعقود من الزمن بمليارات من الأرباح السنوية التي جاءت مع كونها العلامة التجارية الأكثر مبيعا في البلد. ولكن، ربما لم يمتد علمه المسبق إلى ما سيحدث بعد أربعة عقود عندما بدأت الشركات الصينية في صنع سيارات أفضل وبأسعار معقولة أكثر من منافسيها الأجانب.
بالنسبة إلى معظم مجموعات السيارات الأجنبية، ولت الأيام الذهبية في الصين الآن. وقعت الشركات من أمثال فولكسفاجن وفورد وتويوتا في فخ تحولين أساسيين في الصين. أولا، السرعة التي سيتخلى بها المستهلكون عن محرك الاحتراق الداخلي. وثانيا، صعود مجموعات السيارات الكهربائية المحلية في الصين.
مدفوعة بوصول طرازات تسلا لإيلون ماسك، تطورت شركات السيارات الكهربائية صينية الصنع بسرعة، مسلحة بأحدث البرامج ومدعومة بسلاسل التوريد المحلية العميقة. كما تتفوق الآن على المنافسين الأجانب القدامى بوتيرة مذهلة. أصبح من الواضح للمديرين التنفيذيين والمحللين في الصناعة أن شركات صناعة السيارات تخوض معركة داروونية من أجل البقاء في الصين. القليل فقط من الفائزين الذين يركزون على المركبات الكهربائية سيصمدون، أما الباقون فسيغرقون في السوق.
صنعت أربع مجموعات صينية وشركة تسلا ما يقارب ثلثي إجمالي عدد سيارات الركاب المبيعة هذا العام في سوق “سيارات الطاقة الجديدة”، تصنف بكين هذا على أنه يشمل السيارات الهجينة والسيارات التي تعمل بالبطاريات، وفقا لشركة أوتوموبيليتي الاستشارية في شنغهاي. استحوذت شركة واحدة بمفردها، وهي بي واي دي في شنزن التي تدعمها شركة بيركشاير هاثاواي التابعة لوارن بافيت، على حصة مذهلة بلغت 38 في المائة من تلك المبيعات.
باعت فولكسفاجن حتى هذا العام سيارات أكثر من أي شركة أخرى في الصين ولا تزال تحتفظ بنسبة 13 في المائة من مبيعات السيارات التي تعمل بالوقود. من المتوقع الآن أن تطيح شركة بي واي دي بفولكسفاجن من صدارتها في 2023. الأهم من ذلك، من حيث حصة سوق السيارات الكهربائية، احتلت المجموعة الألمانية المرتبة الثامنة هذا العام بنسبة 2.5 في المائة فقط من المبيعات، وهي المجموعة الأجنبية الأخرى الوحيدة في أفضل عشر شركات بعد تسلا.
قال يوتشيان دينج، محلل مخضرم في بكين يعمل مع بنك إتش إس بي سي “قبل التحول الكهربائي، لم يكن أحد يعرف من سيكون الفائز، إن شركتي بي واي دي وتسلا هما الفائزتان”.
بالنسبة إلى المنتجين الذين ما زالوا يحاولون جني الأموال من سيارات الاحتراق الداخلي في الصين، فإن الأمر واضح. واحدة من كل ثلاث سيارات تقريبا تباع هي كهربائية. ولم تؤد حرب الأسعار التي أطلقتها تسلا العام الماضي إلا إلى تفاقم هذه الاتجاهات. يقول بيل روسو، الرئيس السابق لشركة كرايسلر في الصين الذي يقود الآن شركة أوتوموبيليتي الاستشارية، “إن الميزة السعرية المتبقية التي تتمتع بها سيارات الوقود على المركبات الكهربائية ضعفت”.
الدمج هو الخطوة التالية المحتملة. في 2022، تركز ما يقارب ثلاثة أرباع مبيعات السيارات الكهربائية في الصين بين أكثر عشر علامات تجارية للسيارات الكهربائية مبيعا، وفقا لـ”إتش إس بي سي”. وهذا يترك صفا طويلا لما يقارب 60 علامة تجارية للسيارات الكهربائية تتنافس على الفتات. يبدو مستقبل عشرات المجموعات الصينية قاتما من دون دعم الدولة. وتوقعت منظمة السلام الأخضر أنه إذا تسارع معدل تبني السيارات الكهربائية إلى نحو 70 في المائة بحلول 2030، فسيكون لدى كل من جنرال موتورز وفولكسفاجن أكثر من مليوني وحدة من القدرة الإنتاجية عالقة في الصين.
في عشرينيات القرن الماضي، وصف والتر برادفورد كانون عالم الفيزياء الأمريكي رد الفعل على الخطر بأنه إما القتال أو الهروب. والآن تفكر مليا في هذا في مجالس إدارة شركات صناعة السيارات العالمية. في الأسابيع الأخيرة، ضاعفت فولكسفاجن رهانها بمليارات الدولارات في استثمارات جديدة تركز على السيارات الكهربائية، وتعهدت بإنتاج سيارات أكثر جاذبية للمستهلكين الصينيين. وعلى النقيض من ذلك، تعمل فورد على خفض الإنفاق في الصين، وهو تنازل مذهل من شركة كانت قبل عقد واحد فقط سادس أكبر لاعب في السوق.
على هذه الخلفية، فإن 2023 في طريقه ليكون العام الأول الذي تتفوق فيه العلامات التجارية الصينية على السيارات الأجنبية في الصين من حيث المبيعات. لكن الخسائر التي تكبدتها الشركات متعددة الجنسيات في الصين ليست سوى البداية. يتم شحن الحاويات المحملة بالسيارات الكهربائية الصينية الرخيصة ذات التكنولوجيا العالية من موانئ الصين بمعدل يجعل البلد يستعد هذا العام لتجاوز اليابان كأكبر مصدر للسيارات في العالم. تحتاج مجالس إدارة شركات صناعة السيارات إلى التفكير ليس فقط في البقاء في الصين، لكن أيضا في المعركة الوجودية التي ستواجهها قريبا في الداخل.