وفقا لمعايير الطفرة التي شهدتها شركات التكنولوجيا الكبرى خلال الجائحة الأخيرة، كانت بداية 2023 تعد بالكاد فترة لها أهمية في كتب التاريخ.
حيث تعد معدلات النمو في الربع الأول من 3 إلى 9 في المائة التي تم الإبلاغ عنها هذا الأسبوع من قبل شركة ألفابيت وأمازون وميتا ومايكروسوفت بعيدة كل البعد عما كانت عليه قبل عامين، وذلك عندما عزز الطلب المتزايد على الخدمات الرقمية إيرادات شركات التكنولوجيا الكبرى مجتمعة بنسبة 41 في المائة.
لكن في حين وصلت ثرواتها أخيرا إلى مستوى منخفض، تمكنت الشركات مع ذلك من تحقيق مفاجأة. فبدلا من رؤية شركاتهم تتراجع أكثر من المستويات الهابطة في الربع الرابع، كما كان متوقعا بشكل كبير، عاودت معدلات النمو لشركات التكنولوجيا الكبرى الارتفاع مرة أخرى.
إلى جانب التخفيض الكبير في التكاليف الذي نبع جزئيا من موجة التخفيض في الوظائف، عزز انتعاش الإيرادات هوامش الربح للصناعة.
عزز الأداء المالي القوي الثقة بوول ستريت في لحظة تعد مهمة. إذ يستعد المستثمرون للتغيير القادم الذي سيطول الاتجاه المالي لقطاع التكنولوجيا: وهي زيادة كبيرة في الإنفاق تحضيرا لنهضة مأمولة في الذكاء الاصطناعي التوليدي.
قال أنجيلو زينو، كبير محللي الصناعة في شركة سي إف آر أيه ريسيرتش “في شركات التكنولوجيا الكبرى، نشاهد أرقاما ضخمة لنفقات رأس المال. لكننا نتوقع أن يجلب الذكاء الاصطناعي زيادات تدريجية للإيرادات في الأعوام القليلة المقبلة”.
أظهر الأداء القوي الذي برز هذا الأسبوع أنه على الرغم من ارتباطه بمجالات حساسة اقتصاديا مثل الإعلان والإنفاق على تكنولوجيا المعلومات، فإن أكبر اللاعبين في صناعة التكنولوجيا نجحوا جيدا في التخلص من حالة عدم اليقين الاقتصادي الأخيرة بشكل مدهش.
قال جيم تيرني، رئيس استثمارات النمو في الولايات المتحدة في شركة ألاينس بيرنشتاين “تتمتع شركات التكنولوجيا الكبيرة بالمرونة بشكل هائل، وأفضل بكثير من التوقعات”.
تضمنت الأرقام الأخيرة أن العلامات القوية الدالة على انخفاض معدلات النمو في الحوسبة السحابية -وهو نشاط تجاري رئيس لكل من أمازون ومايكروسوفت وجوجل- أصبحت على وشك الانتهاء، وهو أمر سيكون “إيجابيا للنظام البيئي (للتكنولوجيا) برمته”، مع رؤية الموردين للشركات السحابية العملاقة أن الطلبيات آخذة في التعافي، كما قال.
كانت أمازون يوم الخميس، هي الأخيرة في تقديم أرقام قوية للربع الأول مع تجاوز الإيرادات والأرباح كل التوقعات.
فيما تباطأ قسم أيه دبليو إس للحوسبة السحابية التابع لها بشكل حاد عن نمو الإيرادات بنسبة 37 في المائة في بداية العام الماضي. لكن عند 16 في المائة في الربع الأخير، كانت الإيرادات لا تزال أفضل مما كان يخشى، ما رفع الآمال بأن التباطؤ يوشك على الانتهاء.
مع ذلك، فإن أحدث البيانات التي قدمتها أمازون تشير إلى أن التباطؤ لم ينته بعد. وقالت الشركة في مكالمة مع المحللين “إن النمو في أيه دبليو إس انخفض أكثر ووصل إلى 11 في المائة في نيسان (أبريل)، حيث قام العملاء بالبحث عن وسائل لتوفير المال في ظل اقتصاد صعب”.
تسببت الأخبار في توجيه سعر سهمها في الاتجاه المعاكس بشكل مفاجئ، حيث محت أكثر من المكاسب البالغة 12 في المائة التي أعقبت نشر أرقامها للربع الأول.
رغم هذا، يبدو أن قوة الربع الأول لشركة أمازون تؤكد أن شركات التكنولوجيا الكبرى انطلقت نحو بداية إيجابية هذا العام. حيث مهدت مايكروسوفت الطريق قبل يومين، وذلك حين أبلغت عن نتائج جيدة لقسمها المختص في الحوسبة السحابية وألمحت إلى أن السوق بدأت فعلا في الصعود مرة أخرى.
حذر ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي في وقت سابق من هذا العام أن من المرجح لعمليات الحوسبة السحابية لشركة مايكروسوفت أن تمر بعام من النمو البطيء حيث كان العملاء يسعون إلى “تحسين” عقودهم للحوسبة السحابية، وهو تعبير مخفف يدل على بحثهم عن سبل فعالة لتوفير المال.
ربما جاء التحول في وقت أقرب مما كان متوقعا. حيث قالت إيمي هود المديرة المالية في مكالمة أرباح مايكروسوفت هذا الأسبوع “في مرحلة ما، لا يمكن تحسين حجم العمل أكثر من ذلك بكثير”.
وأضافت أن “الدلائل على تحسن الأمور تم أخذها في الحسبان قليلا في توجيهاتنا للربع الحالي”، وهو تعليق غذى الآمال في تحقيق نمو أقوى ورفع أسهم مايكروسوفت 10 في المائة في اليومين التاليين.
تشير عودة النمو غير المتوقعة لشركة ميتا، بعد انكماش طال أمده ثلاثة أرباع، إلى أن أحد الأنشطة التجارية الأساسية لشركات التكنولوجيا الكبرى -وهو الإعلان الرقمي- كان أداؤه أفضل أيضا مما كان يخشى هذا العام.
إلى جانب التخفيض الشديد في التكاليف، عززت الأخبار سعر أسهم ميتا 15 في المائة، الأمر الذي أدى إلى انتعاش قوي طال جميع شركات التكنولوجيا الكبرى هذا العام.
كما أظهر وابل من الأسئلة التي طرحها المستثمرون هذا الأسبوع حول الذكاء الاصطناعي التوليدي، أنه في حين لم تصبح التكنولوجيا وراء تشات جي بي تي من شركة أوبن أيه آي مهمة من الناحية المالية حتى الآن، فإن وول ستريت تركز بالفعل على التكنولوجيا الجديدة.
قال نايجل جرين، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة ديفي جروب لإدارة الثروات “كان المستثمرون منهمكين في تفاصيل الذكاء الاصطناعي التي قدمتها عمالقة التكنولوجيا الكبرى في موسم الأرباح الحالي، وربما أكثر من أي قضية أخرى”.
ترك ما رأوه فيها انطباعا إيجابيا بشكل عام. حيث قال آندي جاسي، رئيس أمازون، “إنه على الرغم من أن الإنفاق الرأسمالي الإجمالي سيتراجع هذا العام، إلا أن شركته ما زالت تزيد إنفاقها على مركز البيانات، وذلك كجزء من تحسبها لقفزة في الطلب يغذيها الذكاء الاصطناعي”.
قال جاسي “قلة من الناس تقدر حجم الأعمال التجارية السحابية الجديدة التي ستأتي خلال الأعوام العديدة المقبلة بسبب غمرة انتظار التعلم الآلي المقبل”.
فيما ذهبت شركتا مايكروسوفت وميتا إلى أبعد من ذلك، حيث وضعتا الذكاء الاصطناعي في مركز مكالمات المستثمرين مع توقعاتهم بأن التكنولوجيا ستعزز الأداء في أنحاء أعمالهما كافة.
لم يضع مارك زوكربيرج رقما حول تأثير استثمارات شركته في الذكاء الاصطناعي، لكن رئيس ميتا أكد على إشارات بأن التكنولوجيا بدأت في التأثير. إذ تضمنت زيادة 24 في المائة في المشاركة في تطبيق إنستجرام، التي نسبتها الشركة لحد كبير إلى ميزة ريلز، وهي خدمة الفيديو التي تشبه تيك توك وتعتمد بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي.
مثل هذه الإشارات المبكرة تضاف إلى الثقة بوول ستريت بأنه بينما تصب شركات التكنولوجيا الكبرى الاستثمار في الموجة القادمة من الذكاء الاصطناعي، فإنها ستجد كثيرا من الطرق لكسب المال من لعبتها الجديدة المكلفة.
قال زينو “ستقفز قوة تسعير مايكروسوفت بمجرد دمجها الذكاء الاصطناعي في خدماتها. أعتقد على وجه الخصوص أن ميتا قامت بعمل رائع من خلال شرح كيفية عمل الذكاء الاصطناعي اليوم وكيف يعمل بالفعل على تحسين المحتوى. هذا على النقيض من الميتافيرس، التي لا تزال بعيدة المنال”.
إذا كانت هناك مشكلة تلوح في أفق الذكاء الاصطناعي، فإنها كانت في جوجل، التي ينظر إلى أعمالها الأساسية في محرك البحث على نطاق واسع بأنها الأكثر تعرضا لنهضة الذكاء الاصطناعي التوليدي. كانت شركة ألفابيت الأم من بين الشركات التي حذرت من ارتفاع الإنفاق الرأسمالي الناجم عن الذكاء الاصطناعي، حيث بدأت التكاليف في الارتفاع في الربع الثاني وتسير نحو الأعلى من هناك تدريجيا.
حاول سوندار بيتشاي الرئيس التنفيذي طمأنة المستثمرين بأن جوجل ستجد طرقا للسيطرة على التكاليف المرتفعة لتشغيل الخدمات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مع ابتكار طرق جديدة لكسب المال منها.
لكن عدم وجود تفاصيل معينة فشل في تهدئة المخاوف وتراجعت أسهم ألفابيت في اليوم التالي بعد الإبلاغ عن عودة النمو في النشاط الإعلاني على محركها البحثي.