الرئيسيةسيارات

الخوف من هيمنة الصين على مجال صناعة السيارات

هاشتاق عربي

في عصر السيارات المتصلة بالإنترنت، تخوض شركات صناعة السيارات في أوروبا معارك الملكية الفكرية مع بعض أكبر مجموعات الاتصالات في المنطقة. وما يلوح وراء هذه الصراعات هو الخوف من هيمنة الصين المتزايدة.

قدمت شركات من أكبر اقتصاد في آسيا، بقيادة “هواوي”، سيلا من براءات الاختراع في التكنولوجيا الأساسية التي تسمح للمنتجات، من السيارات إلى الأجهزة المحمولة، بالاتصال بشبكات اتصالات الجيل الرابع “4 جي” والجيل الخامس “5 جي” وواي فاي. أي شيء يتصل بالإنترنت يجب أن يحصل على ترخيص يسمى بـ”براءات الاختراع الأساسية القياسية” من مبتكري التكنولوجيا.

كانت الشركات الصينية وراء 65 في المائة من طلبات تسجيل براءات الاختراع الأساسية القياسية العام الماضي المرفوعة إلى هيئة المعايير، المعهد الأوروبي لمعايير الاتصالات، وفقا للبيانات التي جمعتها شركة كلاريفيت، ارتفاعا من 37 في المائة في 2019. أشار تييري بريتون مفوض الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي إلى أنه منذ 2014 انخفضت نسبة براءات الاختراع الأساسية القياسية التي تمتلكها الشركات الأوروبية على مستوى العالم من 22 إلى 15 في المائة، في حين تضاعفت نسبة الشركات الصينية.

قال “أحث الشركات وأشجعها بقوة على تقديم براءات اختراع (…)الشركات الصينية تفعل ذلك كثيرا”.

كان بريتون يعد مقترحات تشريعية جديدة للمفوضية الأوروبية لزيادة الشفافية والحد من النزاعات في سوق براءات الاختراع، مدفوعا جزئيا بمخاوف من أن القدرة التنافسية في الكتلة مهددة. بموجب القواعد الجديدة، سيتعين على الشركات تسجيل براءات اختراعها لدى مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية، ما سيساعد بدوره على تحديد رسوم الترخيص ومعدلات الإتاوات.

أثارت هذه الخطوة جدلا بين أصحاب براءات الاختراع الرائدين الذين يخشون أنها ستستحدث إجراءات مرهقة أكثر، مثل تسجيل كل براءة اختراع لدى الهيئة الجديدة، والحد من لجوئهم إلى المحاكم لدعاوى التعدي. وينتابهم قلق من أنه قد يؤثر في نهاية المطاف في قدرتهم التنافسية العالمية.

تأتي مراجعة القوانين هذه بعد نزاعات قانونية كثيرة، من بينها دعوى قضائية بين “نوكيا” و”مرسيدس بنز”. رفعت مجموعة الاتصالات دعوى قضائية ضد شركة صناعة السيارات، المعروفة سابقا باسم “دايملر”، بتهمة التعدي على براءة الاختراع عندما انهارت المفاوضات حول الأسعار. تمت تسوية القضية خارج المحكمة قبل عامين.

أثار اهتمام الصين المتزايد ببراءات الاختراع الأساسية القياسية قلقا في صناعة السيارات، التي تعتمد بالفعل على أكبر دولة آسيوية للحصول على المكونات الأساسية عبر جزء كبير من سلسلتها للتوريد وأصبحت حذرة للغاية من تصاعد التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وبكين.

“هواوي”، التي عانت عقوبات أمريكية وأوروبية مفروضة بسبب مخاوف مساعدتها بكين في إجراء تجسس إلكتروني وسرقتها أسرار التكنولوجيا، تصدرت المجموعة، حيث قدمت آلاف طلبات براءات الاختراع في 2020 و2021.

قال مايكل شلوجل، رئيس براءات الاختراع في شركة توريد السيارات الألمانية كونتننتال “في تكنولوجيا 5 جي، الفائز واضح، إنها هواوي”.

عقدت “هواوي”، التي استثمرت 21.8 مليار دولار في البحث والتطوير في 2021، علاقات ترخيص في صناعة السيارات. لكنها اختارت حتى الآن عدم ترخيص ملكيتها الفكرية من خلال مجموعة براءات اختراع تسمى “أفانشي” تستخدمها “إريكسون” و”نوكيا” وغيرها، واختارت بدلا من ذلك اتفاقيات مباشرة مع صانعي المكونات من بينهم مورد “فولكسفاجن”. ووقعت اتفاقيات براءات اختراع أساسية قياسية ثنائية مع ما لا يقل عن 13 شركة لصناعة السيارات، بما فيها “أودي” و”بي إم دبليو”.

يمكن أن تصبح ملكية براءات الاختراع مصدرا جيدا للدخل لشركات تكنولوجيا الاتصالات مثل “هواوي”، التي تشهد أعمالها خسارة دوليا، حيث بدأت دول غربية عديدة في إزالة الشركة من شبكات اتصالاتها بسبب مخاوف بشأن علاقتها مع بكين.

قال شلوجل “إن الشركات الصينية أصبحت الآن في وضع يمكنها من إخراج شركات أخرى من القطاع، ليس فقط في مجال توريد السيارات، بل في مجال إنترنت الأشياء بالكامل”.

حذر كريستيان لويو، مدير الشؤون القانونية والحوكمة في الهيئة المسؤولة عن توحيد معايير تكنولوجيا الاتصالات في أوروبا، المعهد الأوروبي لمعايير الاتصالات، من أنه إذا رأت الشركات الصينية أنه غير مسموح لها بالمشاركة على نحو عادل في الأسواق الغربية، فقد تقرر بكين “استخدام براءات اختراعها كأسلحة” وتحد من استخدام الشركات الغربية للتكنولوجيا الأساسية.

قال شخص مقرب من “هواوي” إنها تتفاوض على التراخيص “بطريقة ودية وسلمية” على أمل أن تكون تكنولوجياتها “مفيدة للصناعة بأكملها”.

يشير مسؤولون تنفيذيون في مجموعة معدات اتصالات إلى حقيقة أن كمية براءات الاختراع المقدمة لا تعني بالضرورة جودتها وأن “إريكسون” و”نوكيا” لا تزالان المهيمنتين في براءات الاختراع المربحة ذات الجودة. حققت “هواوي” نحو 1.3 مليار دولار من ترخيص براءات اختراعها بين 2019 و2021. وحققت “نوكيا” 1.5 مليار يورو في 2021 وحده، في حين حققت “إريكسون” نحو 900 مليون يورو العام الماضي.

بيد أن المخاوف إزاء دور الشركات الصينية في حصولها على براءات الاختراع تأتي مع تزايد عدد المنتجات التي أصبحت متصلة، الأمر الذي يستلزم تراخيص للاتصال اللاسلكي بشبكات 4 جي و5 جي وأخيرا 6 جي.

شركات السيارات من بين الصناعات التقليدية التي ينتابها قلق متزايد من السلطة التي يتمتع بها صانعو معدات الاتصالات على شروط مثل تسعير تراخيص الملكية الفكرية.

تربط مجموعات، من بينها “نوكيا” و”إريكسون”، رسوم براءات اختراع الاتصال بسعر السيارة، بدلا من أجهزة الاتصال الأرخص بكثير التي يطورها موردو السيارات، ما يعني أنه يمكنها فرض رسوم أعلى.

قالت أنجا ميدبروت، كبيرة المستشارين في الدفاع عن الملكية الفكرية في “مرسيدس بنز”، “إن الصراع بين الصناعتين يهدد أيضا بقلب سلاسل التوريد رأسا على عقب”.

وأضافت أنه “مع وجود سيارات مثل مرسيدس بنز الفئة “إي” التي تتطلب أكثر من 3700 قطعة غيار مختلفة من أكثر من 340 موردا، لا يمكن لشركات صناعة السيارات أن تكون مسؤولة عن ضمان امتثال كل جزء لبراءات الاختراع”، مضيفة أن إلزام ذلك “سيغير الإعداد الكامل لصناعة السيارات”.

لكن قال شخص مقرب من “نوكيا”، “إن أصحاب براءات الاختراع كانوا يتقاضون نحو 20 دولارا فقط لكل سيارة”. قالت الشركة “إن رفض بعض الشركات الدفع مقابل استخدام تكنولوجيا شركات أخرى هو العائق الرئيس أمام ترخيص براءات الاختراع الأساسية القياسية بكفاءة وفاعلية”.

قال شلوجل “إن تكلفة 20 دولارا قد لا تبدو كبيرة للمستهلك، لكن اضربها في مئات المعايير التي تتطلبها تكنولوجيات السيارات”، مضيفا أنه “إذا استمرت رسوم براءة الاتصال الأساسية القياسية في الارتفاع، فقد ترى حقا فاتورة رسوم ترخيص لن يقبلها مستهلك نهائي أبدا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى