اقتصادالرئيسية

كيف تواجه الشركات التضخم؟

هاشتاق عربي

أعلن ميلتون فريدمان في تصريح معروف أن التضخم ظاهرة نقدية في كل زمان ومكان. في حين إن هذا صحيح بلا شك، لا يمكن لأي صانع سياسة أن يتغاضى عن الديناميكيات السلوكية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من العملية التضخمية.

في مواجهة صدمة أسعار الطاقة، سيكون أمرا مفيدا إذا توقفت الشركات والأسر عن محاولة الحفاظ على قوتها الشرائية الحقيقية عن طريق تمرير تكاليف الطاقة إلى العملاء ورفع الأجور، كما أشار هو بيل، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا في “بودكاست” الأسبوع ما قبل الماضي.

لكن السؤال الحقيقي هو ببساطة كيف سيتم تقاسم خسائر الدخل بين رأس المال والعمالة بعد الاضطرابات في جانب العرض مثل تلك الناجمة عن جائحة كوفيد – 19 والحرب في أوكرانيا؟

بناءً على أخبار الشركات هذه الأيام، فإن رأس المال يبلي بلاء حسنا في المعركة. رفعت شركة نستله للأغذية الأسعار 10 في المائة تقريبا في الربع الأول، وهو معدل قريب من أسرع وتيرة منذ أكثر من ثلاثة عقود، على حساب الحد الأدنى من الخسائر في حجم المبيعات. من بين مجموعات البضائع الاستهلاكية الأخرى، وجدت كل من “بروكتر آند جامبل” و”بيبسي كو” و”ماكدونالدز” المستهلكين على استعداد لاستيعاب الزيادات الكبيرة في الأسعار.

في الوقت نفسه، عملت البنوك في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحاضر على تمرير قدر يسير من الفوائد المتزايدة على قروضها للمودعين، بتأثير إيجابي في الهوامش. وتمتعت شركات النفط، ما كان متوقعا سلفا، بثروة مفاجئة مرتبطة بأوكرانيا. على النقيض، تمكن عدد قليل من العمال من الحفاظ على مستويات معيشية حقيقية.

تشعر كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، بالقلق بشأن ديناميكية “المعاملة بالمثل” حيث تنتج الاستجابة المعززة والمتبادلة بين هوامش الربح الأعلى والأجور الاسمية المرتفعة والأسعار المرتفعة ما يسمى بآثار الجولة الثانية التي تتسبب في دوامة ارتفاع الأسعار. تقطع هذه العملية شوطا طويلا في تفسير سبب استمرار ارتفاع التضخم.

في ظل هذه الخلفية، من المدهش أنه لم يكن هناك نقاش يذكر حول الحاجة إلى محاسبة التضخم “تعديل البيانات المالية وفقا لمؤشرات الأسعار”. في السبعينيات التضخمية، جادل مارتن جيبس، الشريك في شركة فيليبس آند دريو للوساطة وأحد الأصوات الأكثر نفوذا في نقاش محاسبة التضخم، أنه عندما وصل التضخم إلى نحو 10 في المائة، كان من الضروري إيجاد طرائق لقياس أرباح الشركات الحقيقية المعدلة حسب التضخم.

أصبحت حسابات التكلفة التاريخية التقليدية توليفة لا معنى لها من “جنيهات” تعود إلى تواريخ مختلفة وقيم حقيقية مختلفة عند التعبير عنها بالجنيهات الحالية. على نحو أكثر تحديدا، كانت المبالغ المخصصة لانخفاض قيمة المصانع والآلات، في فترة تضخم، غير كافية على الإطلاق لتوفير أموال لاستبدال تلك الأصول.

وعلى نحو مماثل، تتم المبالغة في الأرباح عندما ترتفع تكلفة استبدال الأسهم كثيرا في جميع المجالات. كما أن محاسبة التكاليف التاريخية لا تأخذ في الحسبان الانخفاض في القيمة الحقيقية للنقد أو تكلفة الاقتراض الناجم عن التضخم.

كيف، إذن، نفسر غياب النقاش عن محاسبة التضخم؟

الإجابة المختصرة هي أن إطار السياسة آنذاك كان مختلفا تماما. إضافة إلى ضرائب الشركات التي تم فرضها على أرباح التكلفة التاريخية المتضخمة بشكل غير طبيعي، فقد تعرضت الشركات للضغط بسبب قيود التحكم في الأسعار والنقابات القوية. في الواقع، كانت الصناعة البريطانية في طريقها للإفلاس، الذي انعكس في انخفاض لعامين ونصف في مؤشر فاينانشيال تايمز أول شير 72.9 في المائة بين أيار (مايو) في 1972 وكانون الأول (ديسمبر) في 1974.

عند هذا المستوى، بلغ عائد توزيعات الأرباح على المؤشر 12.7 في المائة، في حين كانت نسبة السعر للأرباح على الـ500 سهم في المؤشر الصناعي 3.6 فحسب. لم تتعاف سوق الأسهم إلا عندما قدم دينيس هيلي وزير العمل آنذاك، تخفيفا ضريبيا لرفع قيمة الأسهم. بلغ التضخم ذروته أخيرا في 1975 عند 27 في المائة على مؤشر أسعار التجزئة.

أما اليوم، فيختلف هيكل الاقتصادات المتقدمة اختلافا كبيرا، مع توجه قوي نحو التكنولوجيا والأصول غير الملموسة والتمويل، بعيدا عن التصنيع. هذا يعني تأثرا أقل في مواجهة ارتفاع تكاليف الاستبدال، انظر إلى الأرقام التي أبلغت عنها شركة أبل الأسبوع الماضي التي تظهر أن إجمالي ممتلكاتها ومنشآتها ومعداتها ومخزونها البالغ 49.8 مليار دولار كان أقل من قيمة ما كان لديها من صافي السيولة النقدية والأوراق المالية التي تبلغ 56.1 مليار دولار.

كما تقلل العولمة والإدارة الفاعلة للمخزون من خلال الاستعانة بمصادر خارج الحدود من التأثر بالتضخم. وبالطبع، فإن القطاعات المالية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، الأكبر بكثير مما كانت عليه في السبعينيات، لا تعاني اختناقات في سلسلة التوريد. والمغزى هو على الرغم من أن حسابات الشركات قد تبدو مختلفة عن الواقع حاليا بسبب التضخم، فإن نقص التدفق النقدي للشركات يمكن تحمله بدرجة أكبر.

كل ما سبق ذكره يسلط ضوءا على تخفيض تصنيف شركات التكنولوجيا الكبرى منذ تشديد السياسة النقدية. تقلصت القيمة الحالية للأرباح المستقبلية لأنها تخفض بأسعار فائدة أعلى.

لكن التضخم المرتفع والمستعصي يبرز المزايا الدفاعية لأسهم النمو في “أبل” و”ألفابيت” و”مايكروسوفت” و”ميتا”، التي لديها مجتمعة صافي سيولة وأوراق مالية في الميزانية العمومية تقارب 250 مليار دولار. في عالم يتسم بالتضخم المتجدد، تشكل قوة التسعير إضافة إلى التسهيلات الفائقة لتوليد النقد مزيجا رائعا من النمو والقيمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى