تخسر العملة الأميركية وضعها كعملة احتياط عالمية أساسية بشكل سريع في السنوات الأخيرة، وزادت تلك الوتيرة العام الماضي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى فرض عقوبات أميركية وغربية على روسيا. وفي مذكرة للعملاء من شركة “يوريزون أس إل جيه كابيتال” كتب ستيفن جين وجوانا فريير أن المحللين لم يتوقعوا تأثير التغيرات الكبيرة في سعر الفائدة على الدولار في العام الماضي، على وضع العملة الأميركية كعملة احتياط دولية.
ففي العام الماضي وحده انخفض نصيب الدولار من الاحتياطات العالمي بمعدل 10 أضعاف متوسط انخفاضه السنوي في العقدين الماضيين. ويعود ذلك في الأساس إلى بحث كثير من الدول عن بدائل للدولار بعد العقوبات المالية والاقتصادية غير المسبوقة التي فرضت على روسيا، وليس فقط بسبب رفع أسعار الفائدة الأميركية من نحو صفر إلى خمسة في المئة.
ومنذ عام 2016، فقد الدولار 11 في المئة من نصيبه في السوق العالمية، وخسر ضعف هذه النسبة منذ عام 2008. وجاء في مذكرة الشركة الاستثمارية: “شهد الدولار انهياراً مدهشاً خلال عام 2022 لنصيبه في السوق كعملة احتياط، على الأرجح بسبب استخدامه كسلاح عقوبات، فقد أدت الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد روسيا إلى ذعر الدول التي تحتفظ باحتياطات كبيرة من العملات الأجنبية”. ومعظم الدول التي تحتفظ باحتياط نقدي أجنبي كبير يكون نصيب الدولار منه كبيراً أيضاً، وهي في الأغلب اقتصادات صاعدة مما يسمى “دول الجنوب”.
سعر الصرف وصعود عملات أخرى
ومن العوامل التي جعلت بعض الدول تتجه نحو “التخلي عن الدولار”، ارتفاع سعر الصرف نتيجة رفع الفائدة من قبل البنك المركزي لكبح جماح التضخم، لكن أيضاً ما وصفته المذكرة بـ”تحويل (الرئيس الأميركي جو) بايدن الدولار إلى سلاح شجع أكثر على بحث الدول عن بدائل”.
وارتفع مؤشر “بلومبيرغ” لسعر صرف الدولار العام الماضي بنسبة كبيرة وصلت إلى 16 في المئة، وذلك بنتيجة ارتفاع التضخم التي جعلت أسعار الفائدة ترتفع، وهو مما أدى بالتالي إلى هبوط أسواق السندات والعملات أيضاً. وأنهى مؤشر “بلومبيرغ” عام 2022 بارتفاع في حدود نسبة ستة في المئة.
وفي وقت بدأت فيه دول عدة البحث في خيارات التخلي عن الدولار كعملة احتياط، سعت الصين والهند بقوة إلى الدفع بعملاتها المحلية إلى مكانة دولية عبر استخدامها في تسوية تعاملاتها التجارية. وزادت وتيرة ذلك بعد أن حظرت الولايات المتحدة وأوروبا البنوك الروسية من استخدام نظام المراسلات المالية العالمي “سويفت”. وبدأت عدة دول بالفعل حسم معاملاتها التجارية، بخاصة روسيا والصين، بعملاتها المحلية، الروبل واليوان. وتعمل الصين والهند وروسيا على توسيع نطاق تلك الاتفاقات التي تعني التخلي عن الدولار في التعاملات التجارية الخارجية. أضف إلى ذلك بدء البرازيل والأرجنتين العمل على الابتعاد عن استخدام الدولار في التعاملات التجارية والاستثمارية بينهما، بل والسعي إلى توسيع ذلك الاتفاق ليشمل أكثر من 30 دولة في تجمع أميركا اللاتينية والكاريبي.
وزادت مخاوف تلك الدول من تحول الدولار إلى أداة سياسية دائمة للولايات المتحدة وأن يستخدم كوسيلة للضغط الإضافي على الدول كي تلتزم بعقوبات ربما لا توافق عليها أصلاً. وتمثل العملة الأميركية الآن نسبة 58 في المئة من الاحتياطات النقدية الأجنبي العالمية، وذلك انخفاضاً من نسبة 73 في المئة في عام 2001 حين كانت “عملة الاحتياط العالمية المهيمنة”، بحسب وصف مذكرة “يورايزون”.
الدولار باق حتى الآن
رغم كل ذلك، لن يتخلى العالم عن الدولار كعملة دولية أساسية في المستقبل المنظور، كما كتب ستيف جن وجوانا فريير. فليس بإمكان الدول النامية الآن التخلي عن التعامل بالدولار تماماً لعدم توفر بديل يتمتع بما تحظى به العملة الأميركية من حجم تعاملات وسيولة وسهولة التداول بها في الأسواق المالية.
لكن استمرار التوجه الحالي يشكل تحدياً لا يمكن إغفاله “وقد يأتي الوقت الذي يتخلى فيه بقية العالم عن استخدام الدولار فعلاً”، بحسب المذكرة الاستثمارية التي اعتبرت أنه حتى إذا “لم تكن دول الجنوب قادرة الآن على التخلي تماماً عن التعامل بالدولار، فإن أغلب تلك الدول أصبح بالفعل غير راغب في التعامل به”.