اقتصادالرئيسية

هل تتخلى اليابان عن سياساتها النقدية الفضفاضة للغاية الآن؟

هاشتاق عربي

شارك هذا الموضوع:

هل تتخلى اليابان عن سياساتها النقدية الفضفاضة للغاية الآن بعد أن حل كازو أويدا محل هاروهيكو كورودا محافظا لبنك اليابان؟ يبدو أن الجواب هو “كلا”. حسبما أكد المحافظ الجديد، وهو اقتصادي أكاديمي معروف ويحظى بالاحترام، ركيزتا السياسة النقدية الحالية لليابان -أسعار الفائدة السالبة والتحكم في منحنى العائد- لا تزالان مناسبتين. هل كان محقا أيضا في التمسك بهذه السياسات؟ بشكل عام، جوابي هو “نعم”. وهذا ليس لأن السياسة النقدية الفضفاضة بلا مخاطر، كما جادل روبن هاردينج الأسبوع الماضي. بل لأن البدائل محفوفة بالمخاطر أيضا.

حتى لو تجاهل المرء مشتريات الأصول من بنك اليابان أو “التيسير الكمي” والسياسة الأخيرة الخاصة بالتحكم في منحنى العائد، تظل الحقيقة المذهلة أن معدل الفائدة قصيرة الأجل التي فرضها بنك اليابان ظلت 0.5 في المائة أو أقل منذ عام 1995. كم كان عدد الاقتصاديين الذين توقعوا أن دولة ما يمكن أن تدير مثل هذه السياسة النقدية التيسيرية لما يقارب ثلاثة عقود، ومع ذلك تظل قلقة بشأن ضعف الطلب وانخفاض التضخم؟

من الواضح أن هذه ظاهرة هيكلية متأصلة. إذن، ما سبب ذلك؟ الجواب هو المدخرات الزائدة المزمنة. اليابان ليست اقتصاد السوق الكبيرة الوحيد الذي يتمتع بقطاع تصنيع قوي ومدخرات فائضة هيكلية. والجواب الآخر هو ألمانيا. لكن ألمانيا لديها جواب لا تملكه اليابان: اليورو.

سجل متوسط إجمالي مدخرات القطاع الخاص في اليابان معدلا مذهلا بلغ 29 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2010 و2019 “قبل صدمات كوفيد وحرب أوكرانيا”. كان هذا أعلى كثيرا من 25 في المائة في ألمانيا ويفوق 22 في المائة في الولايات المتحدة بكثير والـ15 في المائة المتدنية بشكل سخيف في المملكة المتحدة. كما استثمر القطاع الخاص الياباني “على الأرجح” 21 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لكن هذا ترك فائض مدخرات بنسبة 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ متوسط فائض المدخرات الخاصة في ألمانيا 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، و5 في المائة في الولايات المتحدة ويقترب فائض المملكة المتحدة من الصفر.

في الاقتصاد عموما، يجب أن تتساوى المدخرات مع الاستثمار عندما يجمع المرء الحكومة والأجانب. السؤال هو كيف يتم تحقيق هذا التوازن وبشكل حاسم، كما علمنا كينز، في أي مستويات من النشاط الاقتصادي. فمع وجود ركود كبير بدرجة كافية، من المفترض أن تنهار الأرباح “وبالتالي مدخرات الشركات”. لكن ينبغي أن يكون انهيارا هائلا. في كل عام منذ عام 2000 حتى عام 2020، بما في ذلك فترات الركود، تجاوزت أرباح الشركات اليابانية المستبقاة 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى نحو مشابه، وبوجود ركود كبير بما يكفي، ستنهار مدخرات الأسر. لكن لو حدث هذا الركود فسينهار الاستثمار أيضا. وستكون النتيجة كسادا شديدا.

لن يحاول أي من صناع السياسة العقلاء القضاء على المدخرات الزائدة عن طريق إحداث ركود. عوضا عن ذلك، سيختارون سياسات تهدف إما إلى استيعاب المدخرات في الاستثمارات الإنتاجية وإما تقليل ميل البلد إلى الادخار.

الطريقة المنطقية للتفكير فيما كان يفعله صانعو السياسة اليابانيون منذ نهاية مرحلة الاستثمار المرتفع في الاقتصاد الذي لحق بالركب في أوائل تسعينيات القرن الماضي، هي أنهم يحاولون الحفاظ على الطلب الكلي في سياق المدخرات الفائضة الهائلة في القطاع الخاص. وهذه طريقة أخرى للقول إنهم يحاولون الهروب من الانكماش، الذي ربما كان في غياب جهودهم سيكون أعمق بكثير مما كان عليه.

أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، مثلا، تهدف إلى زيادة الاستثمار الخاص وتقليل المدخرات الخاصة. لكن من الناحية العملية، ظل فائض المدخرات الخاصة، ولا سيما فائض الشركات، ضخما. سهلت السياسة النقدية الفضفاضة الاستيعاب الضروري “وتعويض” فائض المدخرات الخاصة عبر فائض الاستثمار الحكومي على المدخرات. بلغ متوسط هذه العجوزات 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من عام 2010 إلى عام 2019. وأخيرا، ذهب ما متوسطه 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى صافي الاستحواذ على الأصول الأجنبية عبر فوائض الحساب الجاري لليابان.

هل كانت هناك طرق أخرى لإدارة مشكلة فائض المدخرات الهيكلية التي تعانيها اليابان منذ عقد “وليس من قبيل الصدفة أن الصين تعانيها بشكل متزايد أيضا”؟ نعم، كانت هناك ثلاث طرق بديلة.

الأولى هي الطريقة التي اتبعتها ألمانيا: بلغ متوسط صافي استحواذها على الأصول الأجنبية 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2010 و2019. سمح هذا للقطاعين الخاص والعام على حد سواء بتحقيق فوائض مدخرات، وفي الوقت نفسه تم تحقيق التوازن بين إجمالي العرض والطلب عند مستويات عالية بشكل معقول. هناك سببان وراء صعوبة تقليد هذا النهج في اليابان. الأول، أن الفوائض التجارية كانت ستصطدم بالنزعة التجارية الأمريكية المتمثلة في تقليل الواردات وزيادة الصادرات. والآخر، كان من الممكن أن يكون هناك ضغط تصاعدي شرس على سعر صرف الين، الأمر الذي كان سيضاعف قوى الانكماش في اليابان. في الواقع، لو لم يكن اليورو موجودا، لكانت أزمات العملة في آلية سعر الصرف ستؤدي بالتأكيد إلى إعادة تقييم ضخمة للمارك الألماني، الأمر الذي كان سيدفع الاقتصاد الألماني إلى الانكماش وإلى السياسة النقدية فائقة السهولة، أيا كان ما يريده البنك المركزي الألماني.

البديل الثاني هو السياسات الهيكلية التي تهدف إلى خفض الحصة العالية للغاية من أرباح الشركات المستبقاة “أو مدخرات الشركات” في الاقتصاد. هذه السياسات هي في الأساس مشكلة توزيع: الأجور منخفضة للغاية والأرباح مرتفعة للغاية. وأبسط طريقة لإصلاح هذا هي رفع معدل الضريبة على أرباح الشركات، مع السماح بخصم تكلفة الاستثمار الرأسمالي من دخل الشركة الخاضع للضريبة. يمكن إيجاد طرق أخرى، كتوزيع الأرباح على الموظفين. لكن الهدف سيكون واضحا: تحويل الأرباح الزائدة إلى الاستهلاك.

هناك بديل ثالث يتمثل في ترك المشكلات الهيكلية كما هي، وتشديد السياسات النقدية والمالية، وترك اليابانيين يتعافون من الأوضاع الصعبة وإعادة الأجور إلى مسارها الصحيح. هذا هو مذهب “التصفية”. وقد أصبح اتجاها سائدا في الوقت الراهن. إنه أيضا هراء غير مسؤول. فطالما استمرت اليابان في إدارة فائض مدخرات القطاع الخاص الضخم، يتعين على السياسات أن تجد طرقا لتقليله أو موازنته. لا يزال الاقتصاد الياباني محاصرا. كما أنه ليس لديه مخرج سهل.

صحيفة الاقتصادية السعودية

صحيفة عربية سعودية متخصصة باخبار الاقتصاد العالمي و الخليجي و السعودي و كل ما يخص أسواق الأسهم و الطاقة و العقارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى