تعتزم المملكة العربية السعودية استثمار 142 مليار ريال (38 مليار دولار) للتحول إلى مركز للرياضات الإلكترونية بحلول عام 2030، وذلك في إطار الخطط الهادفة إلى تنويع اقتصاد أكبر مصدر للنفط في العالم.
ستنفق مجموعة “ساڤي غيمز غروب” (Savvy Games Group)، وهي وحدة تابعة للصندوق السيادي السعودي، 50 مليار ريال لشراء وتطوير ناشر للألعاب الإلكترونية، فضلاً عن 70 مليار ريال للاستحواذ على حصص أقلية في شركات الألعاب، وفقاً لما جاء في بيان.
كما ستستثمر 20 مليار ريال في شركات رائدة في صناعة الألعاب، وملياري ريال أخرى في شركات ناشئة متخصصة في الألعاب والرياضات الإلكترونية.
قال الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي ورئيس “ساڤي”: “نعمل على الاستفادة من الإمكانات غير المستغلة في قطاع الرياضات الإلكترونية والألعاب، لتنويع اقتصادنا ودفع الابتكار في هذا القطاع، وكذلك لتوسيع نطاق عروض منافسات الترفيه والرياضات الإلكترونية في كل أنحاء المملكة”.
خطت السعودية خطوات مهمة على طريق التحوّل إلى مستثمر نشط في صناعة الألعاب الإلكترونية، حيث قام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بشراء حصص في “أكتيفيجن بليزارد” (Activision Blizzard Inc) و”إلكترونيك آرتس” (Electronic Arts Inc). كما زاد الصندوق في فبراير حصته في “نينتندو” (Nintendo Co) إلى 8.3%، ليصبح أكبر مساهم خارجي فيها.
وفي الوقت ذاته، اشترت “ساڤي” حصة في “إمبريسر غروب” (Embracer Group AB)، كما استحوذت على قسم الرياضة الإلكترونية في “موديرن تايمز غروب” (Modern Times Group) بقيمة 1.05 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن الرئيس التنفيذي لشركة “ساڤي”، بريان وارد، هو الرئيس السابق للأستوديوهات العالمية في شركة “أكتيفيجن بليزارد”.
تركيز على تطوير الألعاب ونشرها
قال وارد في مقابلة مع “بلومبرغ نيوز” خلال مؤتمر مطوري الألعاب في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية: “نحن الآن شركة للرياضات الإلكترونية أكثر من كونها شركة ألعاب.. ما نقوم به هذا العام هو التركيز بشكل أكبر على نشر الألعاب وتطويرها”.
تتزامن خطط “ساڤي” الطموحة في هذه السوق المزدحمة مع قيام الشركات الراسخة في هذا القطاع، مثل “إلكترونيك آرتس” بتسريح الموظفين. إلا أن”ساڤي” تخطط للاستفادة من علاقات صندوق الاستثمارات العامة بشركات الألعاب مثل “نينتندو” و”تينسنت هولدينغز” (Tencent Holdings Ltd) و”أكتيفيجن بليزارد” لتطوير أنشطتها.
قال وارد: “نود استخدام هذه الاستثمارات لبدء العمل مع هذه الشركات، ونبحث في كيفية العمل معاً على التوسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو إدارة أعمال هذه الشركات في الرياضات الإلكترونية أو تطوير ملكية فكرية جديدة معاً”.
لم تكن المملكة العربية السعودية تمتلك بصمة كبيرة في تطوير الألعاب الإلكترونية عالمياً، لكن التزايد السريع في عدد اللاعبين في المملكة، أدى إلى انتقال وارد، المدير التنفيذي السابق في “إلكترونيك آرتس” و”أكتيفيجن” و”مايكروسوفت” إلى الرياض، لقيادة شركة “ساڤي”. قال وارد: “جزء من مهمتنا ينصب على مساعدة الشركاء والشركات الأخرى على القدوم إلى السعودية، واختيار الرياض بدلاً من أي مكان آخر لتأسيس أعمال النشر أو التوزيع بما يخدم المنطقة”.
آفاق كبيرة للنمو
هناك ما يقارب 21 مليون لاعب في المملكة، وفقاً للمحللين في “نيكو بارتنرز” (Niko Partners)، أي نحو 58% من عدد السكان، مقارنة بـ66% في الولايات المتحدة. وبحلول عام 2026، يُتوقع أن تنمو سوق الألعاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 56% لتصل إلى 2.79 مليار دولار.
قال سيركان توتو، الرئيس التنفيذي لمجموعة “كانتان غيمز” (Kantan Games Inc) الاستشارية: “من المنطقي تماماً أن تركز حكومة تتمتع برؤية مستقبلية في جزء معين من استثماراتها على الأقل، على هذا القطاع”. وأضاف: “تتخذ المملكة العربية السعودية خطوات سريعة في هذا المجال، وتسعى إلى القيام بأكبر عدد ممكن من الصفقات المجدية، لتسبق بذلك الدول الأخرى التي قد تنضم إلى لاحقاً إلى الركب”.
في عام 2022، حققت “ساڤي” نجاحاً كبيراً في عالم الألعاب التنافسي بعد الاستحواذ على شركة “إي إس إل” (ESL) المتخصصة في إنتاج المنافسات الرياضية الإلكترونية، ودمجها مع منصة الألعاب “فيسيت” (Faceit) كجزء من صفقة مجمعة بقيمة 1.5 مليار دولار. وفي مارس، استحوذت “إي إس إل فيسيت غروب” (ESL Faceit Group) على شركة تكنولوجيا الرياضات الإلكترونية “فينديكس” (Vindex) مقابل مبلغ لم يُكشف عنه.
في عام 2018، ازدهرت الرياضات الإلكترونية كثيراً مع تلقيها استثمارات قياسية بلغت 4.5 مليار دولار، لكنها عادت لتواجه في 2022 وقتاً حرجاً مع انحسار التمويل من المستثمرين وصناديق الرعاية. عانى العديد من شركات الرياضات الإلكترونية من تسريح الموظفين أو الإغلاق كلياً، وفشلت شركات كثيرة في تحقيق أرباح رغم وجود عشرات الملايين من المعجبين الذين قد يشاهدون المباريات عبر الإنترنت، وذلك بسبب إنفاقهم القليل جداً على الألعاب، وفقاً لما ذكرته شركة أبحاث السوق “نيو زوو” (Newzoo).
من بين أقسام “ساڤي”، شركة متخصصة في بناء أماكن الألعاب والرياضات الإلكترونية، عانت من ابتعاد الكثير من شركات الرياضات الإلكترونية عنها، بما في ذلك “كومكاست سبيكتاكور” (Comcast Spectacor) ومقرها في مدينة فيلاديلفيا الأميركية، بسبب المخاوف من أن اللاعبين قد لا يشاركون في مسابقات الألعاب الرقمية بالطريقة التي فعلها آباؤهم مع المناسبات الرياضية الأخرى.
طموحات كبيرة
رغم أن “إي إس إل فيسيت غروب” ليست مربحة بعد، فإن وارد لا يزال واثقاً في قدرة صناعة الرياضات الإلكترونية على جني الأموال عبر دمج اللاعبين الأصغر حجماً. قال وارد: “لا تزال المشاركة في الرياضات الإلكترونية مثيرة للإعجاب، وهذا أمر رائع.. كل ما في الأمر أن الدخل لا يتناسب مع حجم التفاعل”. يقارن وارد طموحاته بالحملة التسويقية التي جعلت من الـ”فورمولا وان” رياضة ذات شعبية واسعة.
قال وارد إن “ساڤي” لن تقوم على الأرجح بأي عمليات استحواذ كبيرة في مجال الرياضات الإلكترونية مستقبلاً. إنه يأمل في أن يلجأ ناشرو الألعاب إلى “ساڤي” لإدارة عمليات الرياضات الإلكترونية في الشرق الأوسط.
قال موظف لديه معرفة بالعمليات في “أكتيفيجن” التي تحكم بطولات الرياضات الإلكترونية واسعة النطاق، إن الشركة لا تجري مناقشات مع “ساڤي” بشأن تشغيل الألعاب التنافسية في الرياض. ورفض متحدث باسم شركة “رايوت غيمز” (Riot Games Inc) التعليق.
تركز “ساڤي” في هذه المرحلة على بناء الموارد والإمكانات لتطوير الألعاب ونشرها. من بين شركاتها الخمس العاملة، واحدة هي عبارة عن استوديو يوظف نحو 45 شخصاً. فقد بدأت “ساڤي غيمز ستوديوز” (Savvy Games Studios) عملياتها قبل عام تقريباً، وهي تخطط أولاً لتطوير لعبة للأجهزة المحمولة، ثم لاحقاً، لعبة مع وحدة تحكم (console). ورغم من أن وارد يأمل في أن تتطور هذه الشركة لتصبح أستوديو من الدرجة الأولى، إلا أنه يعترف بأن “بناء أستوديو ألعاب من الصفر، أمر صعب للغاية”.
دعم التدريب والتعليم
قال دانيال أحمد، مدير الأبحاث في شركة “نيكو بارتنرز”: “لا تزال هناك فجوة في المهارات بالنسبة إلى المواهب المحلية” في المملكة. وفي رأيه، فإن سد هذه الفجوة “سيستغرق وقتاً، لأن البلاد بحاجة إلى إدخال سياسات جديدة لدعم التعليم والتدريب”.
قال وارد إن المسار الأسرع لتحقيق “هدف “ساڤي” النهائي في مساعدة المملكة على أن تصبح مركزاً ترفيهياً عالمياً بحلول عام 2030، هو الحصول على أستوديوهات أو ناشرين، بما في ذلك على المستوى الدولي. لكن، قد تكون شركة “إلكترونيك آرتس”، “كبيرة جداً” بالنسبة إلى “ساڤي”.
تمتلك “ساڤي” نحو 13 مليار دولار للاستثمار في الاستحواذ على ناشر ألعاب إلكترونية، علماً أن وارد ربما يفكر أيضاً، في تحويل شركة مدرجة متخصصة في نشر الألعاب الإلكترونية، إلى شركة خاصة.