دخل المنظمون الأمريكيون في حالة حرب حول تطبيق واتساب والرسائل الخاصة، بعد أن تبين لهم أن التجار وصناع الصفقات كانوا يستخدمون “الاتصالات غير الرسمية” هذه، لكن أصحاب عملهم لم يحتفظوا بهذه الاتصالات.
عندما اشتكى المسؤولون عن إنفاذ القانون، أن من شأن هذا الأمر إعاقة التحقيقات والدعاوى القضائية في المستقبل، أذعنت لهم البنوك الاستثمارية الكبرى ومنها جيه بي مورجان تشيس وجولدمان ساكس وباركليز. أثر ذلك، دفع 12 بنكا حتى الآن أكثر من ملياري دولار من الغرامات.
بدأ انتباه هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية يتحول الآن نحو شركات الأسهم الخاصة وصناديق التحوط. كشفت كل من “أبولو” و”كيه كيه آر” و”كارلايل” أنها تخضع للتحقيقات، كما طلب من بعض من صناديق التحوط فحص الهواتف الشخصية لموظفيها، بحثا عن أدلة تشير إلى أنهم كانوا يتحدثون إلى العملاء.
لكن الصناعة هذه المرة بدأت تقاومهم. وحدت عشر مؤسسات تجارية الشهر الماضي قواها لتوجيه خطاب إلى جاري جينسلر، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، تشكو فيه من أن الهيئة “تحاول تجاوز سلطتها، وأنها تشارك في صنع قوانين بإجراءات تنفيذية”.
لكن الاختلاف يكمن في الآليات الأساسية للتنظيم المالي الذي تتبعه الولايات المتحدة. تشرف هيئة الأوراق المالية والبورصات على كل الأطراف المشتركة في بيع الأوراق المالية وشرائها، لكن القواعد الخاصة بالنواحي المختلفة لعالم الاستثمار يمكن أن تكون متباينة تماما.
تندرج أقسام أسواق رأس المال في البنوك الكبرى تحت القوانين المتعلقة بالسماسرة، التي تميل بطبيعتها نحو التدقيق الشديد والإلزامية، بينما يعمل مديرو الاستثمار الذين يديرون صناديق التحوط والأسهم الخاصة في ظل نظام أقل تدخلا. كما أن المنتجات التي تستهدف العملاء من الأفراد تخضع للوائح تنظيمية أكثر صرامة من الصناديق الخاصة التي تستهدف العملاء الأثرياء والمؤسسات.
مثلا فيما يتعلق بحفظ السجلات، ينص قانون الولايات المتحدة على أنه يجب على السماسرة الاحتفاظ “بجميع الاتصالات المتعلقة بالأعمال التجارية كما هي”. لكن مديري الاستثمار يعملون تحت نظام ضيق أكثر يحدد بالتفصيل أنواع الاتصالات المتبادلة التي يجب حفظها.
فيما تجادل جماعات الضغط بأن التعامل مع مديري الاستثمار بالطريقة نفسها التي يتم التعامل بها مع السماسرة هو أمر غير منصف. كما يخشون من أن عملية الفحص الحالية ستكشف عن المحادثات التي كان يجب الاحتفاظ بها. إذا جرت الأمور كما هو مقرر، فقد تلجأ أي شركة إلى خيار التسوية مع هيئة الأوراق المالية والبورصات والموافقة على وضع متطلبات جديدة مكلفة لحفظ السجلات، التي ستشعر الأطراف الأخرى في الصناعة بأنها ملزمة باتباعها.
تقول جينيفر هان، كبيرة المستشارين في جمعية الصناديق المدارة، التي وقعت على الخطاب “إن نهجهم يتسم بالعدائية المقصودة ضد الصناعة”.
لكن التنظيم من خلال الإنفاذ ليس المسألة الوحيدة التي تعترض عليها صناعة إدارة الاستثمار. الصناعة قلقة بشكل كبير أيضا من الجهود المبذولة لتشديد القوانين من خلال العملية التنظيمية المعهودة.
منذ تولي جينسلر منصبه، تقدمت الهيئة بسلسلة من المتطلبات الجديدة لمستشاري الاستثمار التي تتناول مجموعة متنوعة من الموضوعات، بدءا من التعاقد الخارجي والأمن السيبراني إلى المفاوضات حول الرسوم مع العملاء. وكثير منها يحدد بدقة كيفية معالجة المشكلات وطريقة الكشف عنها.
أما بالنسبة إلى الصناعة، فيمثل هذا التحديد خروجا كبيرا عن الممارسة التاريخية التي تتمثل في الاعتماد على واجب الحرص العام أكثر. كما يقولون إن ذلك سيرفع التكاليف ويعاقب المديرين المسؤولين الذين يطبقون الإجراءات والأنظمة، لأنهم سيضطرون إلى إصلاحها كي تتناسب مع هذه المتطلبات.
تتساءل تمارا سالمون، من “آي سي آي”، مجموعة صناعة الصناديق المشتركة الرئيسة “ما الذي تبين أن فيه قصورا؟ إذا كان بإمكاننا توثيقه، فلنصلحه بكل الوسائل. لكن وضع القوانين لمجرد وضعها لن يفيد أحدا”.
كما تخشى بعض الأطراف المشاركة في الصناعة من أن تؤدي موجة القوانين التي تم اقتراحها إلى انحسار الاختلافات بين الطريقة التي يعامل بها السماسرة ومديرو الاستثمار، كما أنها ستشجع أعضاء الهيئة على فرض مزيد من الإجراءات الصارمة.
يقول بريان دالي، الشريك في شركة أكين جمب الذي يقدم المشورة لمديري الاستثمار “إنها تمهد الطريق لمزيد من أنشطة الإنفاذ من خلال هيئة الأوراق المالية والبورصات، إنها تزرع ألغاما خفية وعوائق ستؤدي إلى انتهاكات غير مقصودة”.
بينما ترى مجموعات المستهلكين هذا الأمر بطريقة مختلفة تماما. يقول دينيس كيلير من منظمة بتر ماركتس “إن السلوك السيئ مشمول بواجب الحرص، لكن هذا غير كاف. يجب ألا تكون بعض الشركات قادرة على الاستفادة من عدم الامتثال. إن القوانين الواضحة تجعل الفرص متكافئة”.
إذا تم وضع هذه القوانين في قالب واحد فسنجد أنها متناقضة بعض الشيء. يجادل مديرو الاستثمار بأن هيئة الأوراق المالية والبورصات يجب أن تمرر مزيدا من القوانين التوجيهية إذا كانوا يريدون أن يتم الاحتفاظ بالرسائل الفورية، بينما يزعمون أن المتطلبات التفصيلية الأخرى تدخلية ومكلفة. لكن المنظمين بحاجة إلى تحقيق التوازن: حماية المستثمرين دون تقليص عوائدهم.