الرئيسيةشبكات اجتماعية

هل وسائل التواصل الاجتماعي سبب مباشر للقلق والاكتئاب؟ 

هاشتاق عربي

شارك هذا الموضوع:

إجراء الاختبارات أمر مزعج في معظم الأوقات، لكن ابنتي تعتقد أن لديها سببا إضافيا للشكوى. تمت جدولة تقديم ورقتين من أوراقها الخاصة باختبارات المستوى المتقدم في الوقت نفسه، لذلك يجب أن تأخذ استراحة بينهما. احتجت قائلة، “لا يمكنني حتى الحصول على هاتفي”.
لأنني أسوأ والد في العالم، أعتقد أنه سيكون من الجيد جدا لصحتها العقلية أن تكون دون هاتفها لبضع ساعات. يمكنها أن تعارضني لإثبات ذلك، لكن بطريقة أكثر منطقية، أدارت عينيها وابتعدت.
صرح إرنست همنغواي ذات مرة أن “ما هو أخلاقي هو ما تشعر بالرضا عنه وما هو غير أخلاقي هو ما تشعر بالسوء بعده”. لست متأكدا ما إذا كان هذا سيصمد أمام التدقيق الفلسفي، لكنني أعتقد أن الأمر يستحق أن نسأل أنفسنا كم عدد المرات التي نشعر فيها بالسوء بعد قضاء الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي. عادة ما أشعر بالإحباط وبقليل من احتقار الذات بعد تصفح “تويتر” لمدة طويلة بطريقة لم أشعر بها أبدا بعد قراءة كتاب أو مجلة محترمة.
هذه تجربة رجل في منتصف العمر على “تويتر”. ماذا عن تجربة فتاة مراهقة على “إنستجرام”؟ قبل بضعة أشهر، نشر عالم النفس جوناثان هايدت مقالا في مجلة “ذا أتنلانتك” يجادل فيه بأن “إنستجرام” ضار بالصحة العقلية للفتيات المراهقات. إنها، قبل كل شيء “منصة تستخدمها الفتيات لنشر صورهن وانتظار الأحكام العامة من قبل الآخرين”.
هذا يعكس صدى البحث الذي أجرته “فيسبوك”، المالكة لموقع إنستجرام. عرض تقديمي داخلي، سربته فرانسيس هوجن العام الماضي، قالت فيه إن “32 في المائة من الفتيات المراهقات قلن إنهن عندما يشعرن بعدم الارتياح (…)، فإن إنستجرام يجعل الشعور أسوأ”. بين 2003 و2018، كانت هناك زيادة حادة في القلق والاكتئاب وإيذاء النفس في المملكة المتحدة، وزيادة متواضعة في اضطرابات الأكل لدى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 21 عاما. اضطرابات الأكل كانت أعلى لدى الفتيات منها عند الأولاد. يمكن العثور على اتجاهات مماثلة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى في العالم الناطق باللغة الإنجليزية. اكتشف فريق من علماء النفس، بمن فيهم هايدت وجان توينجي، زيادة في الشعور بالوحدة أبلغ عنها من هم في سن 15 و16 عاما في معظم أنحاء العالم. في الأغلب ما تظهر البيانات أن هذه المشكلات ظلت تتجه نحو الأسوأ بعد 2010.
هناك تفسيرات أخرى لزيادة قلق المراهقين “الأزمة المصرفية في 2008، وكوفيد -19، وعمليات الإغلاق، وإطلاق النار في المدارس، وتغير المناخ، ودونالد ترمب” لكن أيا منها لا يناسب تماما النمط العام الذي نلاحظه، حيث بدأت الحياة تزداد سوءا للمراهقين منذ 2010 تقريبا في أجزاء كثيرة من العالم. ما يناسب هذا النمط هو اتساع نطاق توافر الهواتف الذكية.
هذا النوع من البيانات الارتباطية الواسعة يوحي بوجود مشكلة، لكنها بالكاد قاطعة. دراسة كبيرة ومفصلة أجرتها إيمي أوربن وأندرو برزيبيلسكي، من جامعة أكسفورد، وجدت ارتباطا ضئيلا للغاية بين مقدار الوقت الذي يتم قضاؤه على الشاشات ورفاهية المراهقين. تبدو لي هذه الدراسة أكثر قوة وصرامة من معظمها، مع نقطة ضعف رئيسة واحدة، إنها تجمع جميع أشكال البرامج التي تأخذ وقتا على الشاشة – من “ديزني بلس” إلى “ماينكرافت”، ومن “تيك توك” إلى “ويكبيديا”.
ثلاثة مقالات تحليل حديثة تتناول الموضوع بشكل مختلف تماما. لوكا براغيي واثنان من زملائه الاقتصاديين نظروا إلى طرح “فيسبوك” في الحرم الجامعي عبر الكليات الأمريكية بين أوائل 2004، عندما تم إطلاقه في جامعة هارفارد، وأواخر 2006، عندما تمت إتاحته لعامة الناس. نظرا إلى أن هذا الطرح متدرج، فإنه يوجد تجربة شبه عشوائية، يمكن أن تكون مصدرا أفضل للبيانات من الارتباطات الواسعة. وجد الباحثون تأثيرا سلبيا كبيرا لإطلاق “فيسبوك” في الصحة العقلية – يعادل ما بين ربع وخمس التأثير السيئ الناتج عن فقدان الوظيفة. يختلف “فيسبوك” 2005 عن وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، ربما كان الإدمان عليه أقل، ولم يكن متاحا على الهواتف الذكية. إذا كان الأمر سيئا آنذاك، يتساءل المرء عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي الآن.
كانت الدراستان الأخيرتان بسيطتين بشكل جذاب، فقد طلبوا من المشاركين في التجربتين، الذين تم اختيارهم عشوائيا، إيقاف تشغيل وسائل التواصل الاجتماعي لفترة من الوقت – بينما استمرت مجموعة المراقبة كما كانت من قبل. الدراسة الأكبر التي أجراها هانت الكوت وبراغيري وآخرون، طلبت من الناس ترك “فيسبوك” لمدة أربعة أسابيع خلال انتخابات التجديد النصفي الأمريكية 2018. أدت دراسة أصغر حجما، لكن أحدث، أجراها باحثون في جامعة باث، إلى تجنب الأشخاص جميع وسائل التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع.
كانت النتائج في كلتا الحالتين مذهلة، مع تحسن واضح في مجموعة متنوعة من مقاييس السعادة والرفاهية والقلق والاكتئاب. يبدو أن الانفصال عن وسائل التواصل الاجتماعي مفيد لروحك. من المثير للاهتمام، أن التأثير الأكبر للجميع في دراسة ألكوت وبراغيري هو أن الأشخاص الذين تركوا “فيسبوك” مؤقتا للتجربة كانوا أقل احتمالا لاستخدامه بعد ذلك.
لا أعرف ما إذا كانت استراحة لمدة ساعتين من هاتفها قد تكون مفيدة حقا لصحة ابنتي العقلية. ولا أعتقد أن قضية الرفاهية ضد وسائل التواصل الاجتماعي مثبتة بما لا يدع مجالا للشك. لكن هذا ينبغي ألا يكون مفاجئا. لقد استغرق الأمر وقتا لإثبات أن السجائر تسبب سرطان الرئة. إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي سببا في الاكتئاب والقلق، فسيستغرق الأمر وقتا لإثبات ذلك أيضا. لكن في هذه المرحلة على المرء أن يتساءل عن تأثيرها.

فايننشال تايمز

صحيفة بريطانية دولية تتحدث عن الأعمال، يتم نشرها في لندن منذ تأسيسها في عام 1888 من قبل جيمس شيريدان وأخوه. هناك اتفاق خاص بين فايننشال تايمز وصحيفة الاقتصادية السعودية يتم بموجبها ترجمة لأهم مقالاتها يوميا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى