خاصمقالات

الثلجة تجمّعنا وهواتفنا الذكية تفرّقنا ……!!!!!!

شارك هذا الموضوع:

12507479_1116229945093851_7342414362847869390_n

هاشتاق عربي – إبراهيم المبيضين

لطاما كانت العطلات الإجبارية ، وخصوصا في مواسم ” الثلجات” فرصا كبيرة لتجمع أفراد الأسرة، ولقاءهم جميعا بشكل إستثنائي بعيدا عن إنشغالات الحياة اليومية والعملية والدراسية ، ليلتقي الزوج والزوجة والاولاد يقضون يوما كاملا او عدة ايام مع بعضهم لاجتياز هذه العطلة الاجبارية بأكبر قدر من الألفة والراحة والتسلية، محاولين التغلّب على اوقات الملل التي قد تتسلّل إلى أجواء المنزل أثناء البقاء فيه لوقت طويل مع ” حظر تجول” قد تفرضه مثل هذه الظروف الجوية الاستثنائية.

بيد أن شكل مثل هذه العطلات الإجبارية – مثل تلك التي عاشتها الكثير من الأسر الأردنية الأيام القليلة الماضية نتيجة الظروف الجوية السائدة –  وما لحقها من إلزامية لقاء الاسرة كاملة ليوم كامل او عدة ايام ، قد اختلف تماما عن شكل عطلاتنا وتجمّعاتنا في فترة تسعينيات القرن الماضي وما قبل ذلك،…

 والسبب مرة أخرى هو التكنولوجيا ووسائل الاتصالات وأجهزتها الذكية التي تعلّق بها الجميع شيبا وشبابا، معتقدين بانهم وجدوا ضالتهم في العالم الافتراضي متصلين بكل العالم، منعزلين عن مجتمعهم القريب ….

 نعم لقد غيّرت التكنولوجيا حتى أشكال ومضامين تجمعاتنا ولقاءاتنا، وسرقت منها ” روحها” و ” حميميتها”، مع إبتعادنا فكرا وتواصلا عن بعضنا البعض – وان كان يجمعنا مكان واحد او حتى غرفة أو طاولة واحدة….

 لقد أصبحنا أكثر إلتصاقا بشاشات الهواتف الذكية اليوم ، مواظبين على إستخدام تطبيقاتها التي جعلت بين أيدينا ” عوالم كاملة”، يذهب كل منا ويرحل الى عالمه الافتراضي الخاص، بعيدا عمّا يدور حوله، منفصلين عن واقعنا الحقيقي والأشخاص في محيطنا القريب……

لم يعد المشهد غريبا اليوم، وهو لا يقتصر على بيوتنا ومنازلنا، ولكنني ودّدت أن اضرب عطلتنا الاجبارية التي عشناها خلال الايام القليلة الماضية مثالا على ما فعلت التكنولوجيا بنا، عندما فصلتنا عن واقعنا بدافع الإتصال بالعالم الخارجي، ننفصل عن القريب لنتصل بالبعيد حتى ونعزّز فرديتنا بعيدا عن روح الجماعة…….

في تسعينيات القرن الماضي، لا ازال أتذكر ” الثلجة الكبيرة” في العام 1992 ، وكيف أجبرتنا على لزوم بيوتنا لفترة أسبوع، وقتها لم نكن نعرف الانترنت، ولم تكن الهواتف الذكية قد وجدت بعد،…….. لم نكن نعرف وقتها من الشاشات المتعددة -التي تحوّطنا اليوم – الا شاشة التلفاز التي كنا نحفظ عن ظهر قلب ما ستعرضه من برامج للاخبار او التسلية والترفيه، وكنا نجتمع على شاشة واحدة هي شاشة التلفزيون الرسمي وبعض التلفزيانات العربية، لنجد فيها ” المتعة” و ” الفائدة” على محدودية محتواها، محاولين بين الوقت والاخر التغلب على اوقات الملل بالحديث والنقاش او الدراسة والتسلية بالعاب تقليدية….

 كان ذلك قبل بداية طفرة الإنترنت في العالم والمملكة بثمان سنوات، وقبل مولد ” يويتوب” – موقع مشاركة الفيديو، وانطلاقة شبكة ” الفيسبوك” الاجتماعية بـ 13 سنة، و قبل فورة الهواتف الذكية بتطبيقاتها المليونية بحوالي 15 سنة …..

 اليوم الانترنت تحوطنا، عيوننا تراقب باستمرار شاشات الاجهزة الذكية ، واصابعنا لا تتوقف عن النقر، وملاحقة التنبيهات التي تردنا على هذه الاجهزة بتطبيقاتها التي لم تترك تفصيلة في حياتنا اليومية الا ودخلتها : في الاعلام، والتسلية والترفيه، في التراسل والتواصل الاجتماعي ، لانجاز الاعمال في مختلف القطاعات…….

ومع وجود هذا الكم الهائل من الاجهزة الذكية والتطبيقات اليوم ، تتجمع الاسرة، ولكنه اصبح ” تجمعا شكليا” فقد روحه بانشغال كل منا بتطبيق او خدمة يجد بها ضالته ويفرغ فيها طاقاته…..

نجتمع ، ولكننا نشاهد الاب منشغلا بتصفح المواقع الاخبارية وشبكة الفيسبوك لمعرفة مستجدات الطقس واحواله، فيما تواصل الزوجة ارسال واستقبال رسائل الواتساب مع صديقاتها وزميلاتها في العمل، فيما ينشغل الاولاد في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، والالعاب الالكترونية، وكأنهم يعيشون في جزر منفصلة افتراضية رغم اجتماعهم في مكان جغرافي واحد، غير ابهين بشاشات التلفزة والفضايئات التي تصدح طوال الوقت بصوت عال لم يستطع جذب انتباه اي منهم، فالكل منشغل بفرديته وعالمه الخاص

 مشهد اصبح يتكرر كل ساعة ليصبح القاعدة، والاستثناء هو عدم الانشغال بامر اخر غير تلك الاجهزة التي غيرت مجرى وتاريخ قطاع الاتصالات والحياة الاجتماعية للناس،…

نرى الناس منغمسين بهواتفهم الذكية في الشارع، في العمل، في وسائل النقل، والاماكن العامة، في المؤسسات والدوائر الحكومية، في المطاعم والمقاهي في اوقات تجمع الاصدقاء والمعارف،…..، وحتى في المنزل، لقد اصبحنا متعلقين بهذه الهواتف الى حد الادمان والجنون.

لقد سلبتنا هذه التكنولوجيا اجتماعيتنا، غير مدركين بان هذه الادوات والتطبيقات الحديثة وجدت لتسهيل حياتنا، وزيادة انتاجيتنا، وجدت لنتحكم بها، لا ان تتحكم بنا، …. غير مدركين بان تعلقنا بها الى هذا الحد، سيفقدنا الكثير من صفات ” الاجتماعية” و ” الانسانية”……..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى