في تقرير نشرته مجلة “ذا ناشيونال إنترست” (nationalinterest) الأميركية، قال الكاتبان إليف نيسا بولات وإيفي بولدوك إن كثيرين يعدّون الحرية التي توفرها الإنترنت أمرًا مفروغًا منه، ولكن ليست هذه هي الحال بالنسبة لمعظم العالم، وذلك حتى في العديد من الدول التي يُعتقد أن الخصوصية وحرية الإنترنت فيها المعيار القائم.
ووفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة “فريدوم هاوس”، فإن التدخل الحكومي في المجال الرقمي في جميع أنحاء العالم أدى إلى تراجع حرية الإنترنت على مدى 11 عامًا على التوالي. وحسب هذا التقرير، فإن المعايير العالمية تغيّرت لتسمح بمزيد من التدخّل الحكومي في المجال الرقمي، إذ تتبع 48 من أصل 70 حكومة -شملتها الدراسة- إجراءات من أجل تنظيم المجال الرقمي بشكل أكبر منتهكة في كثير من الأحيان معايير خصوصية المستخدم وحتى حرية التعبير.
ثورة الجيل الثالث للويب
بفضل تقنية “البلوكشين” ستوفر الطبيعة اللامركزية للجيل الثالث للويب حرية وخصوصية وفرص ابتكار جديدة كليًّا، كما ستضمن أن تكون خدمات الإنترنت ومنتجاتها في خدمة الأشخاص بدل الشركات الكبرى، ويتمثل جوهر فكرة الجيل الثالث للويب في توفير شبكة إنترنت عالمية قائمة على تقنية البلوكشين.
تعد البيانات جزءًا أساسيًّا من كيفية تخزين القيمة ونقلها على الإنترنت. وفي حالتها الحالية، تعد الإنترنت المنتج الضروري الذي يسمح للشركات بتحقيق الدخل من المستخدمين مقابل عدم استفادة المستخدمين أنفسهم من أي شيء. وتكمن المشكلة في صعوبة تسويق البيانات على أساس فردي، في حين تكون ذات قيمة كبيرة إذا تم تسويقها بشكل جماعي، وأدركت مئات الشركات هذا المبدأ وحققت مليارات الدولارات من خلال بيع بيانات المستهلكين.
ومع ظهور الجيل الثالث للويب، اقتربنا من عصر يكون فيه التركيز الأساسي على ضمان خصوصية بيانات المستخدم وأمانها، وتمثّل المعلومات والبيانات اللامركزية جوهر هذا الجيل الجديد من الإنترنت.
أساس تقنية “البلوكشين”
يتمثل جوهر تقنية “البلوكشين” في قدرتها على توزيع الملكية والوصول إلى المعلومات بين مجموعة واسعة من الكيانات بدل جعلها مركزية في يد جهة وسيطة. تسمح لنا حوكمة التوزيع بضمان امتلاك الأفراد بياناتهم وعدم امتلاكها من قبل أي شخص آخر، كما تسهل ظهور هياكل قيادية جديدة تسمح بالتعاون بين مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة من دون الحاجة إلى قيادة مركزية، وتوزيع الملكية بين مؤسسيها ومستخدميها.
تقوم تقنية “البلوكشين” على نظام شفاف وغير قابل للتغيير يُسهّل إجراء المعاملات الموزعة عبر شبكة كاملة من أنظمة الكمبيوتر والخوادم. ونظرًا لأن الجيل الثالث للويب يعتمد على دمج تقنية “البلوكشين في عملياته، فإن شبكة الويب العالمية الجديدة ستكون لامركزية ومن دون وسيط، وسيكون بمقدور الجميع الانضمام للشبكة من دون الخوف من الحظر. وتكتسب هذه المقومات أهمية كبيرة في عالم تسعى فيه الحكومات الاستبدادية إلى منع نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين من الوصول إلى شبكة الإنترنت.
الملكية الرقمية
من الإسهامات الإيجابية الأخرى للبلوكشين في إنترنت المستقبل تسهيل الملكية الرقمية، ومع أن جزءًا كبيرًا من الإنترنت مبني على محتوى ينشئه المستخدم، فإن أولئك الذين ينشئون المحتوى -مثل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي- لا يمتلكون أيًّا منه. فعلى سبيل المثال، يقول يوتيوب إنه يمكنه حذف حساب أحد المستخدمين إذا لم يكن “مجديا تجاريًّا”. وفي حالة الألعاب على شبكة الجيل الثاني للويب يمكن لمنشئي الألعاب إلغاء مشتريات العناصر داخل اللعبة للحسابات الأخرى بحرية. وبالمثل، إذا قرر المرء التوقف عن لعب اللعبة، فإن قيمة العناصر داخل اللعبة تضيع تمامًا.
على العكس من ذلك، تسمح شبكة الجيل الثالث للويب بالملكية المباشرة للأصول الرقمية. ويمكن للمستخدمين إنشاء إصدارات رقمية بهوية فريدة وشهادات رقمية لإظهار المنشأ والصلاحية. كما تتيح للفنانين قبول نقل الأعمال الرقمية إلى هواة الجمع مع اتباع القوانين. ولا يحق لأحد -بما في ذلك مصممي اللعبة- سحب الملكية. علاوة على ذلك، يمكن للمرء أيضًا أن يبيع أو يتداول المقتنيات داخل اللعبة في الأسواق الحرة المفتوحة لاسترداد قيمتها إذا اختار التوقف عن اللعب.
أهمية البلوكشين
كل تلك التغيرات المهمة التي سبق وصفها لن تكون ممكنة من دون تقنية البلوكشين، حيث لا يمكن استبدال خصائصها الفريدة بأي بديل متاح في سوق اليوم. بصرف النظر عن قدرتها على تسهيل المشاركة الآمنة للبيانات بين المستخدمين، فإن خصائصها الفريدة تخلق إحساسًا بالثقة بين الأطراف لا يمكن للتقنيات الأخرى توليده، وهو ما يجعل الحكومات في جميع أنحاء العالم تستخدمها لتحسين العمليات الحالية.
تكمن القيمة الحقيقية للبلوكشين في اللامركزية وفوائد الشفافية والثبات، مما يمنح الثقة فيها. ويمكن أن توفر لنا الأموال من خلال إنشاء مسارات عمل فعالة في كيفية معالجة المعاملات، وبذلك تقضي على الوسيط.
الاستيعاب والتنظيم الذكي
في العقدين الماضيين، أحدثت الإنترنت ثورة في جميع نواحي العالم الذي نعرفه، بما في ذلك الأسواق المالية والثقافة والسياسة. وتعد ثورة الجيل الثالث للويب أقرب مما قد نتخيل، وذلك بفضل الأدوات المتاحة للمطورين من خلال البلوكشين. هناك حاليًا مئات التطبيقات التي يتم تطويرها بمساعدة تقنية البلوكشين، والتي تنشئ البنية التحتية المطلوبة لإنترنت أكثر إنصافًا يسمح للأشخاص بالربح والاستمتاع الكامل بأنشطتهم الرقمية. وهكذا يجب أن يدعو التطوير المستمر للبلوكشين صانعي القرار الغربيين إلى تبني اللوائح الذكية وتسهيل دمج هذه التقنية في الحياة اليومية للمواطنين.