قبل أن نجلس حتى على مائدتنا، طلبت السيدة ستيفاني شيرلي كأسين من المشروبات، وهي تقول بطريقة مرحة، “رجاء، نادني ستيف”. أتت وهي تحمل الهدايا – كتابها الجديد، وهو مجموعة من خطاباتها حول القيادة، وحقوق المرأة، وريادة الأعمال والعمل الخيري، التي ألقتها على مدى 40 عاما. كان ذلك مشروعها خلال عمليات الإغلاق، كما أخبرتني بفخر واضح، مختارات من الحياة التي عاشتها بشكل جيد.
قالت، في لحظة عاطفية استثنائية، “أعتقد أنه مع تقدم المرء في العمر، تصبح أكثر تمسكا بالتراث. تبدأ حقا بالتفكير، ما الذي كانت تدور حياتي حوله؟”.
خلال العقود التسعة التي عاشتها تقريبا، تمكنت شيرلي من أن تعيش ما يعادل ثلاث حيوات رائعة على الأقل. حياتها الأولى، باعتبارها الابنة الصغرى لعائلة ألمانية بورجوازية، اختزلت بشكل مفاجئ في 1939، عندما كانت في سن الخامسة. في ذلك الصيف، بعد عام من ضم النمسا للرايخ الثالث، لم يعد بإمكان والدها، القاضي، العمل في فيينا، اتخذت عائلة بوختال قرارا غير حياتها. أرسلوا بناتهم ضمن عمليات نقل الأطفال إلى بريطانيا، قبل اندلاع الحرب بثمانية أسابيع.
تم استقبال الطفلتين، البالغتين من العمر تسعة وخمسة أعوام، في لندن من قبل زوجين لم يرزقا بأطفال تطوعا لرعايتهما، تم أخذهما إلى منزلهما الجديد في ويست ميدلاندز. بعد عدة أعوام، كشخص بالغ، وجدت شيرلي نفسها تعطي تاريخ ولادتها، دون تفكير، تموز (يوليو) 1939 – وهو تاريخ وصولها كطفلة لاجئة إلى محطة ليفربول ستريت في لندن وبدأت حياتها الجديدة.
بالنسبة لي، باعتباري والدة لطفلة تبلغ من العمر نحو خمسة أعوام، فإن التجربة لا يمكن فهمها لدرجة أنه يبدو من السطحي أن أسأل كيف كان شعورها. لكن كانت لديها أعوام للتفكير بالأمر. تقول، “لدي هذا الشعور، شعور الناجي بالذنب منذ طفولتي وما بعدها، إنني في حاجة إلى جعل الحياة التي تم إنقاذها تستحق الإنقاذ. أنا حقا أفعل القليل جدا من الأمور التافهة. وعندما أفعل، أشعر ببعض المرح حيال ذلك”.
يبدو أن التغييرات الهائلة التي كان على شيرلي أن تتقبلها عندما كانت طفلة – والدان جديدان وجنسية جديدة ولغة جديدة – تحدد شخصيتها. إنها مدمنة على التغيير والتحدي، وهما صفتان ساعدتاها على أن تصبح رائدة في صناعة الحوسبة في بريطانيا وقدوة نسائية. الأمر الذي جذبها إلى حبها الأول كان أجهزة الحاسوب، أثناء عملها في محطة أبحاث مكتب البريد في منطقة دوليس هيل في الخمسينيات من القرن الماضي – الذي شكل في ذلك الوقت، آفاق المعرفة البشرية. كان المكان الذي صمم وصنع فيه تومي فلاورز – الذي عملت بجانبه – الحاسوب العملاق، أول حاسوب إلكتروني قابل للبرمجة في العالم، الذي تم استخدامه لفك تشفير الرموز في حديقة بلتشلي في يوم عملية الإنزال في نورماندي. قدرة شيرلي الخارقة للطبيعة في الرياضيات جعلت منها مبرمجة حاسوب موهوبة بشكل غير متوقع، وكتبت برمجيات لأجهزة الحاسوب القديمة التي ملأت الغرف الكبيرة التي نادرا ما كانت ترى فيها النساء.
ترتدي شيرلي، (88 عاما)، بلوزة بيضاء بسيطة ومفصلة تحت سترة داكنة، كلاهما من العلامة السويسرية أكريس، مزينة بدبابيس مزخرفة على شكل المرجان، وخواتم ذهبية كبيرة الحجم في كل يد وزوج من الأقراط الفضية الكبيرة المزهرة التي تلمع مقابلة شعرها القصير الناعم. تقول، “أنا لا أقوم ببناء أي شيء الآن، لذلك أستمتع بإنفاق المال”، دون أي بادرة على الوعي الذاتي. أسألها ما الذي تنفق عليه الأموال أيضا؟ “اشتريت للتو لوحة جديدة، جيريمي آنير. إنها لوحة تجريدية، يمكنك تفسيرها كما تشائين”.
كان اجتماعنا في يوم شتوي مشمس في لندن، في مبنى الجمعية الملكية للطب الذي يبلغ عمره 110 أعوام في شارع ويمبول، حيث تعد شيرلي عضوا. مع ذلك، لم يكن هذا المكان هو خيارها الأول. حيث أرادت تناول الطعام في مطعم ذا كلينك، وهو مطعم أوروبي حديث يقع في سجن بريكستون، مع قائمة يعدها ويقدمها النزلاء. تقول بابتسامة، “إذا كنت سأنفق المال فأنا أحب أن أفعل ذلك بطريقة خيرية معقولة”. لكن قواعد فيروس كورونا أجبرتنا على التحول إلى الجمعية الملكية للطب، وهي أيضا مؤسسة غير ربحية. القاعات الرخامية التي سرنا من خلالها للوصول إلى المطعم كان الأطباء يستخدمونها للمساعدة الطبية الطارئة خلال الحرب العالمية الأولى. تحيي شيرلي الموظفين مثل الأصدقاء القدامى ونحن نشق طريقنا إلى مائدتنا.
استغرقها الأمر نحو عشر ثوان لتقرر ما تريد تناوله. قالت لي، “الفطر والدجاج”، ووضعت قائمة الطعام جانبا. بينما اخترت الباذنجان المتبل والحلوم المشوي للمقبلات، والطماطم المجففة تحت الشمس وجبن الموزاريلا التورتيلوني مع السبانخ الصغيرة لطبقي الرئيس.
بمجرد أن ذهب النادل مع طلباتنا تستدير لمقابلتي بفرحة طفولية. تقول، “إذا، هل سبق لك أن أنشأت مشروعا ناشئا؟ إنه أمر مثير للغاية. أعتقد أنه عندما تبدئين بالأشياء (…) تتاح لك الفرصة لترك علامة، وإحداث فرق، وفعل شيء جديد حقا. ثم يأتي أشخاص آخرون ويجعلون كل شيء سلسا ولطيفا وكبيرا ومشرقا ولامعا. لكنها فكرتي أنا”.
جنت شيرلي أموالها – نحو 150 مليون جنيه استرليني – من شركة البرمجيات التي أسستها في 1962، في سن 29 عاما. بدأ الأمر، مثل كل مشاريعها، على طاولة مطبخها في تشيشام، في كوخ قديم متهدم كانت قد اشترته مع زوجها ديريك، زميل سابق في محطة أبحاث مكتب البريد. كانت تلك الحاجة القهرية إلى التحدي هي التي دفعتها إلى ترك وظيفتها الآمنة، عندما اكتشفت أنها ستكون دائما مقيدة بالجندر. لمجرد أن تكون معارضة، قررت أن شركتها، التي أطلقت عليها اسم فريلانس بروجرامرز، ستوظف أخريات مثلها تماما. كان أول 300 موظف في الشركة تقريبا من النساء اللائي يعملن من المنزل، وكثير منهن أثناء رعاية أطفالهن.
ما الذي جعلها متطرفة جدا؟ تضحك، “أعتقد أنني عنيدة جدا. كلما أخبرني الناس أنه لا يمكنني فعل شيء ما، ازدادت رغبتي في فعله”. لكن عند التفكير، تختصر الأمر إلى شيئين، شعورها الدائم وكأنها غريبة – “إنه تأثير اللاجئ عندي، أن أكون في الطرف المتلقي للتمييز. كنت أفكر، هذا أمر سيئ فحسب” – وافتقارها إلى تعليم جامعي رسمي. قالت، “كان لدي شعور متأصل بالدونية بسبب عدم الذهاب إلى الجامعة حتى بلغت الـ30 من عمري تقريبا. لكنني متأكدة من أن الجامعة كانت ستعلمني التفكير بشكل تقليدي (…) كما تعلمين، “هذه هي الطريقة التي تفعل بها الأشياء”. كنت اتخذ القرارات دون مساعدة الآخرين نوعا ما (…) ولم يتم التخلص من ذلك من داخلي”.
رغم الظروف، نجت شركة فريلانس بروجراميرز وازدهرت، بأشكال مختلفة متحولة. بحلول 2007، بلغت قيمة الشركة، التي تم إدراجها في بورصة لندن للأسهم في 1996، نحو ثلاثة مليارات دولار، وكانت توظف 8500 شخص وصنعت 70 مليونيرا من موظفيها الأصليين، بما في ذلك شيرلي. خدمت عملاء بارزين مثل “يونيليفير” و”آي بي إم” و”إيكسون” و”بي بي سي” ووزارة الخزانة، وكانت تكتب برامج لكل شيء بداية من تحسين كفاءة إنتاج ألواح الشوكولاتة في شركة مارس وجدول الشحن على مستوى الدولة لشركة السكك الحديدية البريطانية، إلى تحليل الصناديق السوداء في طائرات شركة كونكورد. في 2007، تم الاستحواذ عليها من قبل شركة سبورا ستيريا الفرنسية لخدمات البرمجيات. هذا العام، يصادف شهر آب (أغسطس) الذكرى الـ60 لميلاد الشركة.
في العام نفسه الذي ولدت فيه شركتها، حملت شيرلي بابنها جايلز، وهو طفل هادئ سمح لها ببناء شركتها الوليدة بينما كان يلعب بسعادة بألعابه. على الرغم من ذلك، انتكست حالة جايلز في مرحلة الطفولة، وأصبح قليل الكلام ومن الصعب التعامل معه بشكل متزايد. تم تشخيص حالته في مستشفى جريت أورموند ستريت بالتوحد الشديد، وبحسب زعم الأطباء “غير قابل للتعلم”. مع بلوغ جايلز ونموه جسديا، كانت نوباته العنيفة ونوبات الصرع تعني أنه يحتاج إلى رعاية بدوام كامل من قبل موظفين مدربين. كان وضع جايلز في مصحة لمدة قصيرة – الذي حدث عندما أصيبت شيرلي بانهيار عصبي واضطرت إلى دخول المستشفى لمدة شهر – هو شيء عانته شيرلي دائما، مشيرة إلى ذلك في سيرتها الذاتية لـ2012 ليت إت جو على أنها “مسألة بقاء على قيد الحياة فعليا”.
قالت لي، “جعلتني الأمومة شخصا أكثر دفئا، وهدوءا، وأكثر اهتماما. قبل ذلك كنت حقا متعالية ثقافيا بعض الشيء. فجأة، أن يكون لديك طفل ذو إعاقة في التعلم، يجعلك تدركين أنه توجد روح بشرية هناك، روح (…) شخص كامل”.
استعرضنا العقود الأولى من حياتها، عندما كونت عائلتها وثروتها، لكنها تسهب باستمتاعها بالحديث عن أحدث فصل، العقود الثلاثة الماضية التي أمضتها في التبرع بكل شيء. استثمرت 68 مليون جنيه استرليني، بشكل أساسي في المؤسسات الخيرية الثلاث التي تركز على التوحد والتي أسستها وأدارتها بنفسها، الأمر الذي كان كافيا بالنسبة لها لتكون “مرتاحة” بعد أن فقدت “جزءا كاملا” عندما انفجرت فقاعة الدوت كوم.
لا تزال تعيش في المنزل نفسه في هينلي على نهر التايمز الذي انتقلت إليه مع ديريك منذ أكثر من 30 عاما، لتكون أقرب إلى مستشفى جايلز، ولا يمكنها حتى تذكر آخر إجازة أخذتها. في ظل هذه الظروف، أقول إنه لو كان هناك بضعة أشخاص أكثر من أفراد عائلة آنرز سيكون أمرا مقبولا.
تصل المقبلات لنا، بعد مدة نصف ساعة ممتعة: كانت مقبلاتها تارتليت الفطر والسبانخ، مع سلطة العنب والستيلتون، التي تشعر بالدهشة إزاءها – “تبدو وكأنها طبق رئيس”. كانت سلطة الباذنجان والحلوم المقدمة لي لذيذة، وبذور الرمان ذات المذاق الحاد تزيد من طعم الجبن المالح.
تشمل جمعياتها الخيرية، التي أسست جميعها بعد تقاعدها من شركتها في 1993، مؤسسة التوحد في كينجوود، وهي عبارة عن منزل سكني للبالغين المصابين بالتوحد مثل جايلز، و”برايورز كورت”، مدرسة داخلية للشباب المصابين بالتوحد المعقد، و”أوتيستيكا”، مؤسسة خيرية وطنية لأبحاث التوحد في المملكة المتحدة. تم تمويل الأخيرتين من خلال مؤسسة شيرلي فاونديشين، التي تم إنشاؤها في 1996، التي كانت واحدة من أفضل 50 مؤسسة تقدم منحا في المملكة المتحدة حتى “توقفت عن العمل” في 2018 – بما في ذلك المساعدة على إنشاء معهد أكسفورد للإنترنت، وهو مجمع بحثي رائد يدرس تأثير التكنولوجيا في المجتمع.
من بين جميع مشاريعها المحببة، “برايورز كورت” هو المفضل بشكل واضح. تقول “ما تقدمه المؤسسة يشكل جوها العام، فهي تعتني بهؤلاء الأطفال الضعفاء للغاية (…) وهناك قدر كبير من الرعاية بها لدرجة أنها تعم المبنى بأكمله تقريبا. إنه جو جميل”. بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والجائحة، كان التوظيف يمثل تحديا. كان نحو 14 في المائة من الموظفين المتخصصين في المدرسة من قارة أوروبا وكان من الصعب التعيين من هناك. لكن على الرغم من الصعوبات، فإنها المكان الوحيد الذي يمنحها إحساسا حقيقيا بالأمل، كما تقول.
لدي فضول كيف تختار التبرع بأموالها – ما استراتيجيتها؟ تهز كتفيها، “أصف نفسي بأنني فاعلة خير مجازفة (…) أرى مشكلة ما، وعادة ما أقوم بدراسة الجدوى وأطيل التفكير فيها. ومن ثم أنطلق وأحاول حلها. أحيانا أفعل، وأحيانا لا أفعل”.
حسنا، لكن كيف يتم تضييق الخيارات؟ قاعدتها هي بأن تتبرع للأشياء التي تعرفها وتهتم بها فقط. “لذا إذا طلب مني أحدهم أن أتبرع، مثلا (…) ” وتصمت قليلا، وتبحث عن مثال، وتسمي مؤسسة خيرية معروفة خارج مجال خبرتها. “أشخاص رائعون رغم أنني متأكدة من أنهم كذلك، فأنا لا أتبرع، ولا حتى بخمسة جنيهات استرلينية. أنا أركز حقا على ما يمكنني فعله. ما الذي أعرفه وأهتم به؟ التوحد وتكنولوجيا المعلومات”.
بالطبع، لم تكن دائما تقصد ذلك. كان أول تبرع لها – بمبلغ 20 ألف دولار – لجمعية تعقد مناظرات مدرسية في برمودا، بسبب صديق كان منخرطا فيها. تقول بشكل غير مباشر، “كما تعلمين، من الواضح أن هذا ليس هو السبيل لفعل ذلك”.
وصلت أطباقنا الرئيسة. غير أن ما يثير اهتمامها في الطبق هو أوراق الحميض المقلية بجانب صدر الدجاج منزوع العظم الغارق في مهروس الشمندر. تقول إن الدجاجة “قاسية للمضغ” لكن الأوراق لذيذة المذاق.
في محادثاتنا السابقة، كانت شيرلي تتجنب الحديث عن السياسة وتخبرني أنها “ناخبة عائمة”، لكن اليوم لديها آراء تريد الإفصاح عنها. قالت، “يبدو لي أنني أبحث عن قادة يستخدمون نبرة أخلاقية. هذا الأمر لا نحصل عليه في الوقت الحالي (…) . هذا ليس ما أريده حقا من القيادة، ولا ما أطمح لأن أكون عليه بصفتي قائدة”.
تقول إنها وطنية، كونها لاجئة في بريطانيا تم احتضانها واستيعابها من الأمة والشعب. أضافت، “أحب هذه الدولة بشغف لا يشعر به إلا من فقد حقوقه الإنسانية”. لكنها أصيبت بخيبة أمل جراء سلوك الحكومة بهذا الصدد أيضا. (((قالت، “أشعر بخيبة أمل لأن بريطانيا فقدت على ما يبدو مركزها بصفتها قائدة أخلاقية في العالم، وذلك بسبب الطريقة التي تتعامل فيها مع اللاجئين”)))).
(((العام الماضي، قبلت مبلغ أربعة آلاف جنيه استرليني في شكل تعويضات من الحكومة الألمانية، التي دفعتها لألف أو نحو ذلك من الأطفال المتبقين من عملية كيندرترانسبورت “وهي عملية إجلاء الأطفال اليهود من المناطق التي سيطر عليها النازيون في أوروبا إلى المملكة المتحدة في الفترة بين 1938 و1940”. تقول، “وهبت المال لجمعية سيف باسيج الخيرية، التي تعتني بالأطفال اللاجئين اليوم القادمين من أوروبا إلى بريطانيا. تقول: “يقولون لي أشياء مروعة مثل وجود نحو 11 ألف طفل يتجولون في شوارع كاليه، حيث يختفي 17 منهم كل يوم في المتوسط. يختفون هكذا. إما أنهم يقتلون وإما يتم الاتجار بهم. أعني إنه أمر مروع فحسب (…) لا أعرف لماذا لا تستطيع بريطانيا فعل مزيد إزاء ذلك”))).
إذا ما شكل القائد الذي كانت تطمح أن تكون عليه؟ كما سألتها. أجابت، “أن أفكر لنفسي، وليس بنفسي”.
قضينا ما يصل إلى ثلاث ساعات معا وأنا أدرك أنها قد تكون متعبة، لكنني سألتها عما إذا كانت ترغب في تناول الحلوى. قالت لي بأسف، “أنا مصابة بداء السكري، ولا يجب أن أتناول حلوى البودينج”. رفضت تناول الحلوى أيضا، تضامنا معها، وقرر كلانا شرب الشاي الأسود – “الشاي الهندي”، كما تسميه هي.
جلسنا نهضم وجبتنا. كان هناك كثير مما يحتفى به في حياتها، لكن كان هناك أيضا ما يوجع القلب جدا. توفي ديريك، الذي تزوجته لمدة 62 عاما، في أواخر العام الماضي. وفي 1998، عن عمر يناهز 35 عاما، توفي ابنها جايلز إثر إصابته بنوبة صرع أثناء نومه. قالت لي بهدوء، “إن فقدان طفل هو مأساة. لا يوجد لذلك اسم (…) إذا كنت طفلا فقد أحد والديه، فأنت يتيم، لكن لا يوجد اسم لشخص فقد طفلا”. أريد أن أعرف كيف حولت هذا الحزن البائس إلى شيء إيجابي، وكيف نجحت في ذلك، لكن لا يمكنني أن أجرؤ تماما على سؤالها.
سمحت لنفسها أن تشعر بلحظة ضعف نادرة. تقول: “لقد فقدت كثيرا. أنا مدركة لذلك. أنا أدرك أنني أفقد شبابي، وأفقد طاقتي، أنا مدركة تماما أنني ربما في العقد الأخير من عمري. هذا أيضا ليس بشعور جيد. لكنني أدرك أنني سأصبح نموذجا يحتذى به لكبار السن، لأنني مشغولة جدا. هناك كثير من الحياة المتبقية في داخلي. أنا أجد في ذلك ضغطا جسديا، لكنه من الناحية الذهنية مجرد متعة (…)”.
عندما انتهينا من شرب الشاي، هزت الفنجان ونظرت إلي. ثم قالت، “لا، لقد كانت حياتي جيدة جدا. لقد كانت حياة طويلة، لكنها كانت حياة جيدة”.
هل وجدت المفتاح السحري للسعادة؟ قالت لي، “كما تعلمين، لم أكن سعيدة دائما. أنا سعيدة الآن وسبب هذا ببساطة لأنني أقضي حياتي وأنا أشعر بالعطف. أعتقد أنني محظوظة للغاية لأن لدي ما أستيقظ من أجله كل صباح”. توقفت لحظة وابتسمت. ثم قالت، “معظم النساء في سني يفكرن فقط في وجبة الغداء”.
فايننشال تايمز – مادوميتا مورجيا