الثلاثاء، نشر رجل يحمل لقب “جندي أوكرانيا” مقطع فيديو مباشرا على “تيك توك”، يصور من نافذة تظهر مباني سكنية مكونة من شقق تحت أشعة الشمس الحارقة، وصوت صفارات الإنذار في الخلفية. متحدثا باللغة الإنجليزية، شكر عشرات الآلاف من المتابعين لإرسال هدايا افتراضية يمكن تحويلها إلى نقود.
لكن في الواقع، كان الجو ملبدا بالغيوم والثلج يتساقط في مدينة كييف في ذلك اليوم، وبحسب ما ورد لم تتطابق الأصوات مع صفارات الإنذار التي تم سماعها في المدينة.
بعد أن أبلغت “فاينانشال تايمز” عن الحساب إلى “تيك توك”، أزال تطبيق الفيديو الصيني هذا المستخدم – لكن ليس قبل أن يحصد البث أكثر من 20 ألف مشاهدة وتم إرسال أكثر من 3600 هدية، ما كلف المحبين نحو 50 جنيها استرلينيا في المجموع.
يشتهر التطبيق المملوك لشركة بايت دانس، الذي يضم أكثر من مليار مستخدم، بفيديوهات الرقص التي تنتشر بشكل واسع، لكنه تحول أخيرا إلى مصدر إخباري لكثير من الشباب الذين يشاهدون العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا من خلال هواتفهم. شاركت الحسابات الأوكرانية تجربتها، ما حشد الدعم والمساعدة لبلادهم.
لكن الصراع أدى أيضا إلى تفاقم أوجه القصور في ضوابط الإشراف في “تيك توك” التي مكنت من انتشار حسابات الاحتيال التي تنشر محتوى مزيفا لجذب المتابعين والمال، وفقا للخبراء.
قالت آبي ريتشاردز، باحثة في المعلومات المضللة في “تيك توك”، “كان هناك فراغ معلومات أولي، وكان معرضا بشكل خاص ليتم ملؤه بلقطات خاطئة”.
أضافت ريتشاردز أنه، في معظم الحالات، كان هذا عبارة عن قيام المستخدمين بنشر لقطات مضللة أو غير دقيقة عن غير قصد. لكن في حالات أخرى، أدى ذلك إلى “قيام أشخاص بنشر محتوى مضلل للحصول على علامات الإعجاب والمتابعات والمشاهدات. ثم هناك أشخاص يحتالون، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالبث المباشر حيث تكون التبرعات سهلة حقا”.
يسلط باحثون الضوء على الحوافز المالية على “تيك توك”، المصمم لمكافأة منشئي المحتوى، باعتبار لها عواقب غير مقصودة. يمكن لمنشئي المحتوى تلقي هدايا افتراضية – مثل الورود الرقمية والباندا – أثناء البث المباشر وتحويلها إلى “دياموند”، وهي عملة تيك توك، التي يمكن سحبها بعد ذلك على أنها أموال حقيقية. تحصل “تيك توك” على عمولة 50 في المائة على الأموال التي يتم إنفاقها على الهدايا الافتراضية، وفقا لمنشئي المحتوى على المنصة. قالت الشركة إنها لا تكشف عن التفاصيل المالية لهدايا الفيديوهات، والقيمة النقدية لـ”الدايمنود” وتستند على “عوامل مختلفة”.
وجدت “فاينانشال تايمز” كثيرا من تسجيلات البث المباشر المتعلقة بالحرب في أوكرانيا تضمنت معلومات مضللة، التي تلقت آلاف من الهدايا الافتراضية والمشاهدات. أظهر أحد مقاطع الفيديو مبنى مدمرا مع موسيقى حزينة، تتبعته “فاينانشال تايمز” إلى لقطات فيديو قديمة من مصور في لاتفيا. أزالت “تيك توك” كثيرا من مقاطع الفيديو والحسابات التي تم الإبلاغ عنها بوساطة “فاينانشال تايمز” لكونها معلومات مضللة خطيرة، ونشاطا غير قانوني، وبضائع خاضعة للتنظيم وانتهاكات للمصداقية.
عند البحث عن وسم أوكرانيا على المنصة، ستجد من بين أعلى المشاركات مرتبة، مقطع فيديو لجنود يرتدون زيا عسكريا وهم يودعون النساء بشكل عاطفي. تمت مشاهدته 7.3 مليون مرة، لكنه في الواقع مشهد من الفيلم الأوكراني “ذا وور أوف شيمراس” في 2017.
في 2020، أصبحت “تيك توك” شركة التواصل الاجتماعي الأسرع نموا في العالم، حيث تدفق المستخدمون إلى المنصة خلال الجائحة. لكن نموها الهائل أثار تساؤلات حول إمكانات الإشراف على تطبيق الفيديوهات القصيرة، حيث تلحق الشركة ركب منافساتها الأقدم على وسائل التواصل الاجتماعي وتحاول التعلم منها.
لمعالجة هذه المشكلة، عززت المنصة فريق المشرفين التابع لها في أوروبا الذي يراجع أعضاؤه يدويا المحتوى الأكثر عنفا وإزعاجا على المنصة، كما تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للإبلاغ عن المواد المسيئة.
قال بريت شافر، رئيس فريق التلاعب بالمعلومات في التحالف من أجل تأمين الديمقراطية، إن “تيك توك” في “المراحل الأولى من سياسات تعديل المحتوى على نطاق واسع حول صراع مثل هذا”.
أضاف، “لديها نظام أكثر غموضا من فيسبوك أو تويتر، لذلك من الصعب معرفة مدى فاعليته في تطبيق السياسات. لكن كانت رسائلها العلنية متوافقة مع وادي السيليكون”.
تخضع شركات وسائل التواصل الاجتماعي لمزيد من التدقيق في الغرب بسبب الإخفاقات الملاحظة في عدم إزالة المحتوى المضلل والحملات الدعائية الروسية أثناء التصعيد. في وقت سابق من هذا الأسبوع، وافقت منصات “فيسبوك” المملوكة لشركة ميتا، و”يوتيوب” التابعة لشركة جوجل، و”تيك توك” على إزالة وسائل الإعلام الروسية المدعومة من الدولة، مثل روسيا اليوم “آر تي” و”سبوتنيك” في الاتحاد الأوروبي بناء على طلبات من الكتلة.
يجادل خبراء بأن خوارزمية “تيك توك” تمكن من انتشار المعلومات الخاطئة على نطاق واسع أكثر من أقرانها. لاحظوا أيضا أن أدوات التعديل الخاصة بالمنصة على تسجيلات الفيديو تتيح للمستخدمين إعادة توظيف أو مزج المحتوى الصوتي والمرئي بسهولة من مصادر متنوعة.
الإثنين، اشتكت هيئة تنظيم الاتصالات الروسية من وجود محتوى مناهض لروسيا يتعلق بـ”عمليتها العسكرية الخاصة” في أوكرانيا على “تيك توك”، وطالبت الشركة بالتوقف عن التوصية بالمحتوى العسكري للقصر “دون 18 عاما”.
قال عمران أحمد، الرئيس التنفيذي لمركز مكافحة الكراهية الرقمية وهي مجموعة لشن الحملات ترصد خطاب الكراهية على الإنترنت، “تعمل الخوارزمية حاليا على الترويج للمحتوى المرتبط بأوكرانيا بقوة، بغض النظر عما إذا كان ذلك حقيقيا أم لا”. أضاف أن “تيك توك” لا توفر بيانات كافية للمستخدمين للتحقق من المحتوى بأنفسهم.
في الجمعة، أعلنت “تيك توك” أنها ستضع ملصقات على المحتوى من بعض وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة وتضيف تحذيريات إلى بعض مقاطع الفيديو والبث المباشر.
الأحد، قال “تيك توك” إنها ستعلق البث المباشر ونشر المحتوى الجديد في روسيا استجابة لقانون “الأخبار الكاذبة” الذي تم تطبيقه أخيرا في البلاد.
في منشور على مدونتها، قالت الشركة إنها ستواصل “مراجعة الآثار الأمنية المترتبة على هذا القانون”. أضافت أن خدمة الرسائل داخل التطبيق الخاصة بـ”تيك توك” لن تتأثر.
استجابة “تيك توك” البطيئة تتناقض بشكل ملحوظ مع طريقة تفاعلها بسرعة لمحو المحتوى السياسي الذي قد يزعج بكين. قامت الشركة بإزالة مقاطع فيديو احتجاجات هونج كونج المؤيدة للديمقراطية في صيف 2019، وفقا لـ”إنفورميشين”. كما منعت “تيك توك” المستخدمين من استخدام كلمتي “معسكر العمل” و “مراكز إعادة التعليم” في العناوين الفرعية، من أجل منع مناقشة معاملة الصين لأقليات الأويغور. قالت “تيك توك” إن هذا كان خطأ بسيطا يتعلق بخطأ فني في الترجمة في الإصدار الألماني من التطبيق.
فيض مقاطع الفيديو المزيفة على “تيك توك” أظهر أن هناك “قليلا من الشعور بالإلحاح” بين مسؤولي شركة بايت دانس لمعالجة الموقف، كما قال مايكل نوريس، كبير محللي الأبحاث في شركة إجنسي تشاينا الاستشارية في شنغهاي.
ذكرت “تيك توك” أن سلامة مجتمعها هي أولوية قصوى وأنها تراقب الوضع من كثب مع مزيد من الموارد. أضاف متحدث، “إننا نتخذ إجراءات بشأن المحتوى أو السلوك الذي يهدد سلامة منصتنا، بما في ذلك إزالة المحتوى الذي يشتمل على معلومات مضللة ضارة”.