لعبت الأزمة الصحية في فرنسا دورا كبيرا في زيادة الرغبة في تغيير المهن لدى كثيرين، بحسب دراسات حديثة وباحثين تواصلت معهم “الفرنسية”.
ويقول موظف لديه عقد عمل مؤقت في التربية الوطنية في مقابلة أجراها معهد BVA لدراسة نشرتها هيئة فرانس كومبيتينسيس، “لا تحسن في الراتب ولا تطور وظيفيا. في وقت من الأوقات يسهم الوضع المالي والنضج في إدراك أن هذا الوضع لم يعد مناسبا”.
وترى فرانس كومبيتينسيس، هيئة تمويل وتنظيم التدريب المهني أن “أزمة الجائحة الحالية تلعب دورا في تسريع عملية طرح تساؤلات حول معنى وشروط ممارسة مهنتنا”.
لم نصل بعد إلى “الاستقالة الكبرى” كما حصل في الشركات الأمريكية مع تقديم استقالات جماعية في مرحلة الخروج التدريجي من الجائحة، لكن في فرنسا – وفقا لاستطلاع للمنظمة التي تدير البطالة – فإن 58 في المائة من العمال الناشطين لديهم مشروع واحد على الأقل لتغيير المهنة.
وفقا لاستطلاع BVA الذي يجمع بين البيانات الكمية والمقابلات النوعية استنادا الى عينة تمثيلية من 5162 شخصا، فإن “فقدان المعنى” هو السبب الأكثر شيوعيا “27 في المائة” من قبل العاملين في إعادة التأهيل الذين يتحدثون أيضا عن “عدم الرضا” على شروط العمل “23 في المائة” أو على الراتب “22 في المائة” أو بسبب الضغط الكبير في العمل “20 في المائة”.
وقالت آن لافين 56 عاما “مع الأزمة الصحية كان لدي الوقت للتأمل. ولطرح كثير من التساؤلات”. وبعد توليها منصب مسؤولية لعقود في مجال صناعة الطيران، استقالت لفتح محل أزياء وديكور في ضواحي تولوز في أيلول (سبتمبر) 2021.
بالنسبة إلى بياتريس دولاي المسؤولة في “فرانس كومبيتينسيس” فإن “عدم الرضا المهني سائد في مجالات تغيير المهنة وفي الوقت نفسه تكمن وراءه أسباب اخرى كوجود فرصة أو مشروع أو سبب شخصي”.
ووراء الرغبة في تغيير المهنة “هناك عامل مسبب قد يكون مهمات أصبحت لا تطاق، كما رأينا في مجال الصحة”، بحسب قول فيرجيني لويز من وحدة التوظيف-التدريب في BVA. وفي ربيع 2021 قال 40 في المائة من الممرضين والممرضات “إن الأزمة الصحية أعطتهم رغبة في تغيير مهنتهم”.
و”المنطق يختلف بحسب الفئة الاجتماعية-المهنية”، وفقا لمركز أبحاث المؤهلات.
ويسود بين العمال والموظفين المؤهلين “الانطباع بعدم الحصول على أجر كاف بالنظر إلى العمل المنجز والشعور بأن الوظيفة المحددة لا تتوافق مع مؤهلاتهم”.
وفي صفوف غير المؤهلين “هناك رفض لعدم الاستقرار والوظائف ذات المدة المحددة”.
وبالنسبة إلى ميراي برويير الخبيرة الاقتصادية من مركز البحوث ودراسات العمل Certop-CNRS فإن الوباء “كشف شيئا كان موجودا أصلا: أزمة عمل معممة تتعلق بأشكال التوظيف ومعنى العمل”.
وأضافت “من ناحية الوظائف الأقل تأهيلا لدينا ظروف عمل ورواتب تدهورت، ومن ناحية أخرى بالنسبة إلى الموظفين الثابتين هناك إدارات أدت إلى فقدان معنى الوظيفة”.
يعتقد باسكال أوجيتو عالم الاجتماع المتخصص في تنظيم العمل أن “الأزمة الصحية تضخم حركة تأرجح كانت في الأصل مستقلة عنها، وتسارعت مع تراجع البطالة: قلب ميزان القوى بين أرباب العمل والموظفين بعد أن أصبحت الفئة الاخيرة تتمتع بفرص أكبر لتأكيد مطالبهم”.
وفي فرنسا حيث كانت البطالة في أدنى مستوياتها منذ ما يقارب 15 عاما “7.4 في المائة” تم تحسين الأجور في مجالي الفنادق والمطاعم والنقل البري، وهما قطاعان يحتاجان إلى قوى عاملة.
ويؤكد أوجيتو أن “تغيير المهنة هو مخاطرة لم تكن لتحصل قبل 20 أو 30 عاما”.
وعلى غرار عديد من مقدمي الرعاية الصحية “بات أفراد على استعداد للتخلي عن مناصب ثابتة لمصلحة مستقبل غير واضح المعالم، حتى لا يشعروا بأنهم عالقون في مكان ما ويكونون سعداء ويتحكمون في مصيرهم”.