قبل بضعة أشهر كنت ألقي كلمة عن مستقبل العمل. عندما اقتبست بعض الأمثلة القياسية لكيفية ارتفاع الإنتاجية مع العمل عن بعد، ظهرت علامات شكوك مهذبة على عدة أوجه من المستمعين. بعد ذلك، كشف بعض المديرين التنفيذيين عن يأسهم. قال أحدهم، “أحب موظفيني، لكنهم يستغرقون وقتا أطول بكثير لإنجاز الأمور من المنزل”.
هذه ليست وجهة نظر شائعة. يشعر بعض الرؤساء التنفيذيين حقا أن المرونة الأكبر تجعل الجميع أقوى – وتسعد كثير من شركات التكنولوجيا بجعل المبرمجين، مثلا، يملون شروطهم الخاصة. في أماكن أخرى، مع مواجهة عديد من الشركات دعاوى قضائية لتهورها بمطالبة موظفيها بالعودة إلى المكاتب ليومين في الأسبوع، بات الرؤساء التنفيذيون يتعاملون مع مسألة العودة بحذر، محاولين إغراء الموظفين بالعودة وفق ساعات متنوعة. لكن بينما يكتسح السباق على المواهب كل شيء أمامه، ربما يضعون توقعات غير واقعية.
بعد الحديث، نظرت مرة أخرى إلى البحث بشأن الإنتاجية. في الأيام الأولى من كوفيد كان العمل من المنزل يبدو مثل فوز للطرفين. أشارت الدراسات التي أجريت عن الوقت الذي سجل الأشخاص فيه دخولهم وخروجهم إلى أن عديدا كانوا يحافظون، أو حتى يزيدون من ساعات العمل. وجدت دراسة استقصائية أجريت في 2020 شملت موظفي مكاتب أمريكيين، أن المستجيبين أفادوا بأن كلا من المديرين والمرؤوسين كانوا أكثر إنتاجية. لكن الصورة أصبحت أكثر دقة منذ ذلك الحين. أظهرت دراسة أجريت على عشرة آلاف محترف ماهر في شركة تكنولوجية آسيوية كبيرة أن إنتاجية أولئك الذين يعملون من المنزل انخفضت بنسبة تصل إلى الخمس. كان كثير منهم يعملون لساعات أطول، لكن انخفض الإنتاج، جزئيا لأنهم كانوا يعقدون مزيدا من الاجتماعات. يرى معهد الأبحاث الياباني للاقتصاد والتجارة والصناعة أن العمل من المنزل قلل الإنتاجية بمقدار الثلث تقريبا، في بلد غير معتاد على هذا. في الآونة الأخيرة، وجدت دراسة صغيرة من جامعة كامبريدج أن الموظفين البريطانيين يقضون وقتا أقل في العمل المأجور خلال عمليات الإغلاق.
أنتجت الجائحة مؤلفات ضخمة ركزت على سعادة الموظفين، لكن بدرجة أقل على سعادة العملاء والمؤسسات التي يخدمونها. في بريطانيا في السبعينيات، قيل في كثير من الأحيان إن الصناعات المؤممة مثل السكك الحديدية كانت تدار لمصلحة موظفيها، وليس عملائها. في أجزاء من القطاع العام، كان يبدو كأننا عدنا إلى هناك مرة أخرى. هذا الصيف، تم تأخير نصف مليون رخصة قيادة عندما أضرب الموظفون عن العمل بعد أن طلب منهم العودة للمكتب. وفي أيلول (سبتمبر) كان لا يزال هناك 50 ألفا من سائقي الشاحنات والحافلات ينتظرون رخصهم التي تعد بالغة الأهمية لاقتصاد فاعل. في وزارة الخارجية، وصف المبلغ عن المخالفات، رافائيل مارشال، العمل في مبنى معظمه فارغ أثناء محاولته إجلاء الناس من أفغانستان كان نقدا مدمرا لما دعاه “الدافع المتعمد من وزارة الخارجية والكومونويلث لإعطاء الأولوية ’للتوازن بين العمل والحياة‘”.
في القطاع الخاص، تستمر استطلاعات الرأي في إظهار أن الأغلبية منا يريدون الاستمرار في العمل من المنزل، على الأقل لجزء من الوقت. لكن ماذا لو لم يكن ذلك جيدا لنا، أو لمن نعمل من أجلهم؟ يعتقد أوكتافيوس بلاك، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة مايند جيم، أن ’الاستقالة الكبرى‘ مدفوعة جزئيا بالعمل عن بعد، ما أضعف العلاقات في مكان العمل وجعلنا ننسى ما أحببناه في وظائفنا. قال إن العمل من المنزل هو “تبديد رأس المال الاجتماعي الذي تحتاج إليه لتكون منظمة ناجحة ومعقدة”. أضاف، “عليك بناء العقد النفسي الصحيح”. يعتقد السير جون تيمبسون، رئيس مجلس إدارة شركة تيمبسون للمحاماة، أنه حتى لو اعتقدنا أننا نريد البقاء في المنزل، فنحن حيوانات اجتماعية “تزدهر برفقة أشخاص آخرين”. ويحذر من أن الشركات التي تتبنى نماذج عمل هجين يكون فيها المكتب مكانا للاجتماع من حين لآخر ستكون في وضع “غير موات للمنافسة”.
هذا بالتأكيد ينطبق علي. لطالما كانت أماكن عملي حاسمة بالنسبة لشعوري بالانتماء. وفقا لآشلي ويليامز، وهي أستاذة مساعدة في كلية هارفارد للأعمال، البشر يتوقون للتفاعلات غير الرسمية – محادثة الردهة، والدردشة مع معدي القهوة – التي تتيح لنا التنفيس عن الغضب أو التعبير عن الامتنان. لقد وجدت نفسي بالتأكيد أتحدث بحماسة شديدة إلى حد ما مع موظفي التسوق وسائقي سيارات الأجرة وزملائي في الطابور. وتجادل ويليامز بأن العمل عن بعد قد ينتهي به الأمر إلى تقويض الإنتاجية، لأننا “لأننا نفرط في جدولة تقويمنا الزمني للتعويض عن نقص التفاعل الاجتماعي”.
عندما يحتج الموظفون على أنهم يعملون فوق طاقتهم، لكن الرؤساء يخشون انخفاض الإنتاج، فمن على حق؟ ربما كلاهما. وجدت الدراسات أننا أكثر انشغالا، ونعقد مزيدا من الاجتماعات، ونرى مزيدا من رسائل البريد الإلكتروني الداخلية، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن العمل عن بعد يتطلب مزيدا من التنسيق. لكن هذا لا يعني أننا منتجون. بعد مرور عامين تقريبا على عمليات الإغلاق الأولى لن يكون من المفاجئ أن تتلاشى الفوائد الأولية للعمل من المنزل. تم إجراء التجربة العالمية الواسعة في العمل عبر منصة زووم في وقت كان معظمنا منغمسا بالفعل في ثقافة الشركة. لكن الموظفين الجدد سيكافحون لتعلم الفروق الدقيقة في الوظيفة إذا لم يتمكنوا من التفاعل بشكل صحيح مع الموظفين الأكبر، المتحصنين في مكاتب منزلية فاخرة. ويجد القادة صعوبة في معرفة ما يحدث بالفعل إذا لم يكن لديهم لقاءات غير رسمية مع أشخاص خارج الدائرة التنفيذية. يمكنك تعلم كثيرا من الاصطدام بموظف صغير في الممر وإجراء دردشة معه.
لا أحد يريد العودة إلى عدم الإنتاجية أو الاستغلال. لكني أتساءل لماذا نحن مترددون للغاية في الاعتراف بأن الإنتاجية قد تتأثر بسبب العمل من المنزل. أحد المديرين التنفيذين الذي أعرفه، كان يريد تحديد موعد لعقد اجتماع مع موظف جديد، لكنه تفاجأ حين أخبره الموظف أن الاجتماع يتعارض مع جلسة اليوجا الخاصة به. كانت محامية كبيرة غاضبة من قلة عدد الموظفين الذين حضروا ندوات عبر الإنترنت استضافتها هي وزملاؤها بعناية – في أيام الجمعة.
يقال إن 2022 سيكون عام الموظفين. فهل يكون 2023 عام الندم في أماكن العمل؟ سنرى.