انس أمر الجنيه الاسترليني، أو الدولار، أو حتى البيتكوين. هناك عملة واحدة فقط تفهمها في الوقت الراهن ابنة أخي البالغة من العمر عامين: فطيرة الزبيب.
الرشا هي أهم خصلة تتميز بها “رعاية العمة كلير”. فإذا كانت ابنة أخي مطيعة، فستحصل حينئذ على مكافأتها في المقهى الواقع على طريقنا إلى المنزل “اللحظة المفضلة لديها هي فتح الفطيرة والتقاط كل الزبيب الموجود فيها”. لكن ما أهم ما يحدث خلال هذه الطقوس العرضية؟ هو أن ابنة أخي تحب أن تدفع لقاء ذلك بنفسها.
حتى مع صغر سنها، فقد توصلت إلى أن النقر بالبطاقات غير التلامسية على وحدات الدفع هو وسيلة للتبادل. وبطبيعة الحال، أصبحت تريد أن تنقر باستخدام بطاقتي.
أنا أؤيد تماما منح الأطفال فرصة مبكرة لاستخدام المال والمدفوعات، لكن ما يقلقني هو حجب المعاملات الرقمية في حين أن للأوراق النقدية والعملات المعدنية هيئة مادية. هل يدرك الأطفال أنه يتم إنفاق الأموال الفعلية، أم يعتقدون أن هذه “البطاقة السحرية” تجعل كل شيء ممكنا ببساطة؟
باستخدام البطاقات غير التلامسية، يصبح من السهل على البالغين أن ينسوا أنهم ينفقون المال. وأنا أشعر بالخجل من الاعتراف بأنني لا أستطيع أن أخبركم بالتحديد ما سعر فطيرة الزبيب التي أشتريها. أنا مدركة أنه يبلغ نحو جنيهين استرلينيين، لكنني دائما أشتري القهوة معه أيضا – ونادرا ما أطلب الإيصالات بعد إجراء المعاملات الرقمية.
حتى لو أعطيت ابنة أخي بعض العملات المعدنية لمساعدتها على تعلم قيمة المال، إلا أن هناك مشكلة أخرى. فمنذ قدوم جائحة كوفيد – 19، كثير من تعاملات الشركات أصبحت غير نقدية، وأنا أشتري كل شيء تقريبا عبر الإنترنت.
وبالمثل، فإن حصالة النقود التي اشتريتها لأخويها التوأم البالغين من العمر خمسة أعوام تجلس على الرف دونما أي استخدام. حين كنت أنا وأخي في مثل عمرهما، كنا نخزن سوية العملات المعدنية من أجل شراء حلوى صغيرة من مكتب البريد المحلي. أما اليوم، فهناك عدد قليل جدا من المحال،على الأقل في وسط لندن، التي يمكن للأطفال أن ينفقوا فيها مبالغ صغيرة من أموالهم الخاصة.
كل هذه المعطيات جعلتني أفكر في موضوع المعرفة المالية والدور الذي تلعبه تلك المعرفة الرقمية في هذه المسألة.
من الواضح أن مستقبل التمويل هو الرقمية – لكن من غير الممكن للأطفال الصغار أن يتعلموا كيفية التعامل مع المخاطر أو الفرص إذا لم تكن لديهم الإمكانية للوصول إلى الأدوات الرقمية.
يجب ألا يقل عمرك عن 11 عاما من أجل فتح حساب جار لدى الأغلبية العظمى من البنوك البريطانية. بينما تفرض بعض البنوك قيودا على استخدام البطاقات غير التلامسية، والخدمات المصرفية عبر الإنترنت فقط لمن هم فوق 13 عاما أو من هم فوق 16 عاما.
عندما تأخذ في الحسبان جميع الأمور الأخرى التي يقوم بها الأطفال الأصغر سنا عبر الإنترنت بالنسبة لعمرهم، ستبدو هذه الحدود العمرية وكأنها لا تمت للواقع بصلة أبدا.
مع ذلك، أخبرني أخيرا ستيوارت هاير، رئيس الخدمات المصرفية للأفراد وإدارة الثروات في إتش إس بي سي يو كيه، أنه يتلقى طلبات أكثر من الآباء لتعطيل ميزة عدم التلامس على بطاقات أبنائهم عوضا عن خفض الحد الأدنى للعمر المسموح.
يمكننا فهم أن الآباء يريدون الإشراف على أبنائهم. تقدم الخدمات المصرفية عبر الإنترنت لمن هم أصغر سنا مفاتيح مملكة رقمية قد لا يكونون مستعدين لها بكل بساطة. لكن في المقابل، يحتاج هؤلاء اليافعون إلى “مساحة آمنة” كي تتسنى لهم تجربتها.
عندما زرت إحدى المدارس في مدينة مانشستر هذا الصيف، قال عدد كبير بشكل مقلق من الفتية في سن 14 عاما إنهم تلقوا طلبات ليكونوا بغال مال – عبارة تعني الأشخاص الذين ينقلون أموالا غير مشروعة إلى أشخاص آخرين – عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي.
كان الطلاب أيضا على معرفة كبيرة بالعملات المشفرة – كما وجدت لوسي كيلاواي أيضا مع طلابها، وهي كاتبة عمود في فاينانشيال تايمز أصبحت معلمة – ناهيك عن المقامرة وطريقة التسوق “اشتر الآن وادفع لاحقا”، على الرغم من أنه يجب أن يكون عمرك فوق 18 عاما “قانونيا” كي تكون مؤهلا للقيام بأي من تلك المعاملات المالية.
إذا، كيف نهيئهم لذلك؟ إذا كان الآباء راغبين في الدفع وقادرين على ذلك، فهناك مجموعة من الخدمات التي تقدم التطبيقات وبطاقات الدفع المسبقة غير التلامسية للأطفال ابتداء من سن السادسة.
تقول لويز هيل، الشريكة المؤسسة لتطبيق جوهنري GoHenry، وهو أكبر “تطبيق لمصروف الجيب” في المملكة المتحدة، يقدم الخدمات لأكثر من 1.5 مليون حساب: “هذه هي الطريقة التي سيتعين على الأطفال استخدامها للمال أثناء انتقالهم إلى مرحلة البلوغ”.
مقابل 2.99 جنيه استرليني شهريا، يصبح بإمكان الوالدين نقل المصروف الشهري إلى حساب بطاقة أبنائهم غير التلامسية، والاطلاع على الإشعارات في الوقت الفعلي حول ما تم إنفاقه، والمبلغ المتبقي في بطاقتهم، وحتى تحديد الأماكن التي يمكنهم فيها إنفاق الأموال. “بإمكاني في المستقبل أن أمنع ابنة أخي من شراء فطيرة الزبيب بمفردها في منطقة توتينج”.
تقول هيل: “يحتاج الأطفال إلى أن يكونوا قادرين على التعامل بكل ثقة في مجتمع اليوم الذي يتزايد فيه انعدام النقد”. تضيف: “إذا لم نمكنهم من هذه المهارات في سن مبكرة، سيكون الخطر عندما ينتقلون إلى عالم البالغين الذي يتميز بسهولة الاقتراض وسهولة الوصول إلى الأموال، وسينتهي بهم المطاف عندئذ في حالة سيئة”.
يعد ربط بطاقات ائتمان البالغين بحسابات ألعاب الأطفال عبر الإنترنت أحد المجالات التي أصبح فيها كثير من الآباء محاصرين، حيث لا يعرف الأطفال “أو لا يهتمون” بأن جميع عمليات الشراء هذه داخل التطبيقات ستجلب معها فواتير كبيرة.
أما الجانب الآخر المهم في محو الأمية الرقمية فهو القدرة على كسب المال عبر الإنترنت. بصفتها أحد المحكمين في الجائزة السنوية لريادة الأعمال الوطنية، شعرت هيل بالذهول من الطريقة التي يجمع بها المراهقون الأموال عبر النشاطات الجانبية، باستخدام تطبيقات مثل إتسي Etsy، وفينتيدVinted ، وديبوب Depop لبيع بضاعتهم. مع ذلك، عادة ما يقتصر استخدام منصات الدفع الرقمية على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 18 عاما، ما يعني أن على الأطفال استخدام حسابات آبائهم، أو المخاطرة بتجميد حساباتهم إذا ما اكتشف مقدمو الخدمة أنهم أقل من 18 عاما.
تقول: “إننا نجري محادثات مع عدد من هذه المنظمات حول ما إذا كان من الممكن أن نكون أكثر ارتباطا معهم”.
كذلك بدأت البنوك الرئيسة في دخول هذا الفضاء. يقدم بنك ستيرلينج تطبيق وبطاقة “ستيرلينج كايت” للأطفال الذين تراوح أعمارهم بين ستة أعوام و16 عاما، وهي بطاقة مرتبطة بحساب البنك للوالدين، وتوفر حماية كاملة بالشراكة مع برنامج تعويض الخدمات المالية وتكلف جنيهين استرلينيين شهريا.
واستحوذ بنك نات ويست أخيرا على شركة التكنولوجيا المالية، روستر موني، التي تقدم خدمة مشابهة مقابل 24.99 جنيه استرليني سنويا، وستصبح هذه الخدمة متاحة قريبا عبر تطبيق نات ويست.
تقول أليسون روز، الرئيسة التنفيذية للبنك: “تعد الفئة العمرية من 7 ـ 11 عاما مهمة بالفعل من منظور التعليم المالي، لكنها مهمة أيضا من أجل تطوير استقلاليتهم المالية”.
تتميز التطبيقات الرقمية عادة بتقديم اختبارات تفاعلية وعرض نماذج وألعاب لجعل التعلم عن المال أمرا ممتعا وتفاعليا – ما يجعلها مثالية لجمهور ملتصق بالهواتف الذكية. إذا تمكن اليافعون من بناء هذه القدرة باستخدام الأساليب الرقمية، فمن المحتمل أن يكونوا مهيئين بشكل أفضل للتعامل مع التحديات المالية المستقبلية التي قد تلقي بها الحياة عليهم.
في حين أن تكلفة التطبيقات، والأجهزة الذكية والإنترنت ليس من الممكن أن تتحملها كل أسرة، إلا أن هذه دروس مالية للمستقبل يحتاج كل طفل إلى تعلمها.
من هذا الفهم انبثقت حملة فاينانشيال تايمز لمحو الأمية المالية والشمول. أنا أحد أمناء السر للمؤسسة الخيرية المدعومة من فاينانشيال تايمز، وإحدى مهامنا الرئيسة هي التأكد من إدخال محو الأمية المالية بقوة في المناهج الدراسية حتى يصبح كل طفل مهيأ لعالم المال الرقمي.
تعمل إف تي فليك FT Flic بشكل وثيق مع المدارس والجمعيات الخيرية الأخرى لتدريب المعلمين وابتكار مواد تعليمية مفيدة تستخدم في الفصول الدراسية ووسائل التواصل الاجتماعي.
تطوير التعليم المالي هو أحد أفضل الاستثمارات التي يمكننا تقديمها من أجل مستقبل أطفالنا.
فايننشال تايمز – كلير باريت