من المعروف في وقتنا الحالي أن الشبكات الاجتماعية ومواقع التواصل أصبحت تربط الجميع ببعضه البعض أكثر من ذي قبل.
وفي دولة تتحكم في ملياري نسمة تحكما كاملا، مثل الصين، تصبح فكرة السيطرة على المزيد من الناس، باستخدام مواقع التواصل، فكرة مثيرة للاهتمام.
وتمثل مواقع مثل تويتر، ويوتيوب الشهيرين، بيئة للاستثمار فيهما من خلال خلق حسابات مؤيدة لنهج الدولة الصينية، لتطرح وجهة نظرها أمام العالم.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز، ومجلة فورين بوليسي الأميركيتين، إن الصين خطت بالفعل خطوات مهمة للتأثير على مستخدمي الموقعين، أو على الأقل لطرح وجهة نظرها بصورة غير تقليدية.
تويتر
في الثاني من ديسمبر، أعلن تويتر تفكيك 2048 حسابا “مرتبطا بالدولة الصينية” قامت بنشر وجهات نظر بكين بشأن مواضيع مثل الأويغور في منطقة شينغيانغ، ومواضيع أخرى تتعرض الصين لانتقادات بشأنها.
وقال موقع فورين بوليسي الذي حلل هذه الحسابات – التي تم تتبعها إلى شبكتين – إن المهمة الرئيسية لهذه الحسابات كانت تعزيز الروايات المؤيدة للحزب الشيوعي الصيني بشأن معاملة الأويغور، وغالبا ما نشرت محتوى من وسائل الإعلام الحكومية الصينية أو شاركت مقاطع فيديو لشهادات أشخاص يفترض أنهم من الأويغور يتحدثون عن مدى روعة حياتهم في المنطقة.
وقالت فورين بوليسي إن ما يجمع بين هذه الحسابات هو عدم احتوائها على معلومات حقيقية، مثل الاسم أو الصورة أو السيرة الذاتية، وكذلك فإنها لم تقم بنشر أي شيء تقريبا سوى هذا النوع من المحتوى.
كما إن هذه الحسابات تشترك بقلة متابعيها – أو عدم وجودهم – وقلة التفاعل مع منشوراتها.
ونشرت هذه الحسابات أكثر من 31 ألف تغريدة خلال هذه الفترة.
ويقول الموقع إن “التفاعل الضعيف مع هذه الحسابات يطرح سؤالا عن مدى فاعلية هذا التكتيك، والسبب الذي يجعل الحكومة الصينية تتبناه”.
وفي كل مرة يتم فيها إزالة الحسابات، يجب على مشغليها البدء من جديد وإنشاء متابعين جدد.
ولأن الكثير من الحسابات يتم إزالتها بسرعة، فإن تعزيزها بصور شخصية ونبذة عن صاحبها قد لا يكون مهما.
المهم، بحسب فورين بوليسي، هو سياسة الإغراق التي تعتمدها هذه الحسابات، ورفع “الهاشتاكات” وجعلها تظهر في جزء Trend من موقع تويتر.
ويحتوي هذا الجزء على قائمة بأكثر المواضيع المتداولة في كل بلد، وفي حال وصلت الدعاية الصينية الحكومية إليه، قد تظهر لمراقب غير خبير إن الصينين، وخاصة الأويغور، “سعداء”، عكس ما تفترضه “الدعاية الغربية”.
وتقول فورين بوليسي إن حقيقة أن نفس المشغلين – مثل وكالة أبحاث الإنترنت الروسية (IRA) ومشغلي الحزب الشيوعي الصيني يواصلون شن حملات على تويتر على الرغم من محاولات الموقع يشير إلى أنهم يعتقدون أن الفائدة من هذا التكتيك تفوق التكلفة التي يفرضها.
وتضيف المجلة أن ” الأبحاث حول الدعاية المحلية لوسائل التواصل الاجتماعي في الصين أظهرت أن الحكومة تستخدم أعدادا من المعلقين (كاتبي التعليقات) على المنشورات يتظاهرون بأنهم مستخدمون عاديون لفبركة مئات الملايين من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي من أجل “إلهاء الجمهور وتغيير الموضوع”.
وقال الموقع إن الحكومة الصينية تستعين بمؤسسات خارج حدودها للتهرب من الرقابة على رمز IP (بروتوكول الانترنت) الذي قد يسهل ربط الحسابات بالحكومة الصينية.
يوتيوب
وفيما يسهل إخفاء الشخصيات في موقع تويتر، يحتاج موقع يويتوب إلى سياسة مختلفة، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
وتقوم فكرة موقع يوتيوب على نشر مقاطع فيديو، وليس منشورات كتابية أو صور مثل تويتر.
وفيما تمتلك كل الحكومات تقريبا مواقع رسمية على تويتر ويوتيوب لنشر وجهات نظرها، فإن تكتيك الصين، بحسب نيويورك تايمز، مختلف قليلا.
يمتلك “المؤثرون” أو صناع المحتوى على تويتر تأثيرا، يكاد يكون هائلا بالنسبة لبعضهم، إذ يتابعهم الملايين وقد أصبحوا من المشاهير الذين لا تقل شهرتهم عن نجوم السينما والرياضة، إن لم تكن أكبر.
وتقول الصحيفة إن بكين تنسق مع مؤثرين غربيين لنقل دعاياتها إلى الجمهور الناطق بالإنجليزية، والدفاع عن وجهة نظرها أمام ذلك الجمهور.
وعددت الصحيفة حسابات لمؤثرين بريطانيين وأميركيين يظهرون في فيديوهات ترويجية للصناعة الصينية، أو يهاجمون فكرة وجود انتهاكات بحق الأويغور، أو يهاجمون الغرب.
وترسم بعض تلك الحسابات، التي ذكرتها الصحيفة بالأسماء “صورا مبهجة للحياة كأجانب في الصين – كما أنها ردت على الانتقادات الموجهة إلى الحكم الاستبدادي في بكين وسياساتها تجاه الأقليات العرقية وتعاملها مع الفيروس التاجي”.
وقال أحد المؤثرين في فيديو طرحه “لا يمكن لأحد في الغرب أن يقبل أن الصين ستكون ناجحة، وهذا هو السبب الكبير الذي يجعل وسائل الإعلام الغربية تهاجم الصين دائما”.
وقال آخر “”إبادة جماعية (في شينغيانغ)، كما يقولون، إبادة جماعية، لا يوجد دليل على الإبادة الجماعية لا يوجد دليل على الفظائع. كل هذا تم فضحه عدة مرات”.
وتشترك هذه الفيديوهات بكونها ذات محتوى بسيط، لكن الإضاءة والتصوير واختيار الزوايا متقن، ومتشابه أيضا.
وتقول نيويورك تايمز “على الجانب الآخر من الكاميرا غالبا ما يقف جهاز كبير من المنظمين الحكوميين ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة وغيرها من مؤسسات الدعاية”.
ونظمت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة في الصين والحكومات المحلية ومولت سفر المؤثرين المؤيدين لبكين، وفقا لوثائق حكومية حصلت عليها الصحيفة وشهادات من المؤثرين أنفسهم.
كما دفعت للمؤثرين أو عرضت عليهم مبالغ مالية، بالإضافة إلى الأرباح التي حققوها من ملايين المشاهدات لمحتواهم على يوتيوب وغيره.
لقد دفعوا أو عرضوا الدفع للمبدعين. لقد حققوا حركة مرور مربحة للمؤثرين من خلال مشاركة مقاطع الفيديو مع الملايين من المتابعين.
كما إن تسهيلات تصوير ومرور منحت للمؤثرين للتصوير في مناطق محظورة على الصحفيين الأجانب.
ويقول هؤلاء المؤثرون إنهم من يقرر ما يعرض في مقاطع الفيديو الخاصة بهم، وليس الحزب الشيوعي.
وعرض الديبلوماسيون والممثلون الصينيون مقاطع الفيديو الخاصة بالمؤثرين في المؤتمرات الصحفية وروجوا لمحتواهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعني أن الحكومة الصينية تنظر إليهم فعلا كأدوات دعائية.
وقد حصل ستة من أكثر هؤلاء المؤثرين شعبية على أكثر من 130 مليون مشاهدة على YouTube وأكثر من 1.1 مليون مشترك.
سياسة الحجب
وفيما تحجب الحكومة الصينية مواقع تويتر ويوتيوب داخل الصين، فإنها تستثمر في النشر عليها للتأثير على الرأي العام العالمي، كما يبدو.
ونقلت نيويورك تايمز عن، إريك ليو، وهو مشرف محتوى سابق لوسائل التواصل الاجتماعي الصينية قوله “إن هدف الصين ليس الفوز في حرب الدعاية، بل التسبب في الفوضى والشك حتى لا تكون هناك حقيقة واضحة”.
ونقلت الصحيفة تجربة مدون إسرائيلي يروج في بعض فيديوهاته ضد مزاعم وجود عمل قسري في إقليم شينغيانغ الذي يسكنه الأويغور.
ويقول المدون “لوضع طبيعي تماما هنا”، “الناس لطفاء، يقومون بعملهم، يعيشون حياتهم.”
لا تذكر مقاطع الفيديو الخاصة بهذا المدون الوثائق الحكومية الداخلية والشهادات المباشرة والزيارات التي قام بها الصحفيون التي تشير إلى أن السلطات الصينية احتجزت مئات الآلاف من مسلمي شينغيانغ في معسكرات إعادة التأهيل.
ويمتلك هذا المدون وعائلته علاقات تجارية بالحكومة الصينية، كما تقول نيويورك تايمز.
لكنه ينفي أن الحكومة الصينية أو مؤسساتها تدفع له من أجل النشر.
مع هذا، يعترف صناع محتوى آخرون بأنهم قبلوا الدعم المالي من مؤسسات صينية، على الرغم من أنهم يقولون إن هذا لا يجعلهم ناطقين بلسان بكين.
وقال أحد المدونين إن “الصين تحتجز الناس فى معسكرات إعادة التأهيل لإنهم يحاولون تثقيف هؤلاء الناس حتى يكون لديهم وظائف ومهارات وأشياء في المستقبل، وهذا فرق كبير عن خليج غوانتانامو، حيث يتم سجنك”.
ويعترف هذا المدون بأنه يقبل إقامة مجانية في الفنادق على حساب سلطات المدينة والمقاطعة.
ووفقا لوثيقة وردت في تقرير جديد صادر عن المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية، دفعت هيئة تنظيم الإنترنت في الصين حوالي 30 ألف دولار لشركة إعلامية كجزء من حملة تسمى “موعد مع الصين”، استخدمت “مشاهير الإنترنت الأجانب” لتعزيز فكرة نجاح الحكومة في تخفيف حدة الفقر.
وتقول الصحيفة إن بعض المدونين طلب منهم الإشادة بمناطق قبل أن يروها، أو أماكن صينية لا يعرفون عنها شيئا.