اقتصاد

هل يمكن أن هناك دور للتكنولوجيا والابتكار في التضخم؟

هاشتاق عربي

يبدو أن كل محادثة اقتصادية تقريبا هذه الأيام تدور حول التضخم. ويبدو أن كل سؤال يؤدي إلى آخر. هل هذا مؤقت؟ هل سيزداد الأمر سوءا؟ إذا كان الأمر كذلك، فمتى؟ وإلى متى؟ أي من العوامل الكثيرة – بما في ذلك الطلب المرتفع بعد كوفيد – 19، ونقص سلاسل الإمداد، والحوافز المالية والنقدية، وسياسات الطاقة، أو جميع التغييرات الكثيرة في طريقة عيشنا وعملنا ولعبنا بعد الجائحة – يجب أن يكون أكثر أهمية عندما نحاول رسم صورة لما يحدث؟
في جميع المناقشات، هناك نقطة واحدة لا تتم مناقشتها بالقدر الكافي: دور التكنولوجيا باعتبارها أهم متغير فيما يمكن أن يحدث للتضخم خلال الأعوام العديدة المقبلة.
لكل عامل تضخم، بداية من نقص العمالة إلى اختناقات النقل، وتكاليف الوقود، أو حتى الضغوط طويلة الأجل مثل شيخوخة السكان، هناك تغير تكنولوجي يلوح في الأفق يمكن أن يغير الحسابات المتعلقة بالتسعير بطرق يصعب التنبؤ بها.
فكر في انتقال الطاقة النظيفة. الطلب على السيارات الكهربائية يؤدي بالفعل إلى ارتفاع أسعار السلع مثل النحاس والليثيوم والنيكل والكوبالت. السيارات ومحطات الطاقة الخضراء أكثر استخداما للمعادن من التكنولوجيات التي تحل محلها.
لكن بالتأكيد، الأمر المهم هو الجدول الزمني الأوسع نطاقا. في حين أن الانتقال السريع إلى عالم أنظف سينتج عنه بعض الضغوط التضخمية، إلا أنه سيخفض بشكل كبير من تكلفة مواجهة الكوارث المتعلقة بالمناخ على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، الابتكار التكنولوجي بحد ذاته يخفض التكاليف في نهاية المطاف. تظهر بيانات “مورجان ستانلي” أن أسعار السلع اتجهت إلى الانخفاض لمدة 200 عام، بغض النظر عن الارتفاعات القصيرة الأجل. ذلك لأنه في كل مرة يصبح فيها أحد مصادر الطاقة باهظ الثمن، يتم اختراع مصدر طاقة جديد ليحل محله.
ربما نتجه إلى شتاء بارد ومكلف. لكن بالنظر إلى انخفاض تكاليف تكنولوجيات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية ومزارع الرياح (وزيادة الاستثمارات العامة والخاصة فيها)، هناك سبب وجيه للأمل في أنه بمرور الوقت، يمكن أن تكون الوجهة النهائية مكانا أفضل وأرخص بكثير – مكان سيضع حدا لبعض أوجه التماثل للركود التضخمي الذي حدث في السبعينيات.
ماذا عن الجوانب التضخمية لحالات تأخير سلاسل الإمداد؟ يعتقد بعض خبراء اللوجستيات أن المنافذ الاحتياطية ستستمر لأعوام. مع ذلك، فإننا نرى بالفعل أكبر وأغنى الشركات (أمازون و وول مارت وكوستكو، مثلا) وهي تتكيف مع المشكلة بالابتكارات الخاصة بها.
تلك الابتكارات ستشمل مزيدا من التكامل الرأسي (مثلا، امتلاك بعض حاويات الشحن الخاصة بها بدلا من استئجارها للسماح بمزيد من التحكم)، بل أيضا استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتتبع عمليات التسليم بشكل أفضل. تحظى المركبات ذاتية القيادة، سواء الشاحنات أو السفن، بدفعة جديدة من الاهتمام. سيتم اختبار أول سفينة حاويات ذاتية القيادة في النرويج بحلول نهاية العام. إذا جعلت هذه الأنظمة حركة السفن سلسة، ستبدأ بعض حالات التأخير المتعلقة بسلاسل الإمداد وضغوط الأسعار في التراجع.
مع انتشار إنترنت الأشياء في كل مكان، ستستخدم مزيدا من الشركات تكنولوجيات جديدة لتحسين الكفاءة. كاثي وود، الرئيسة التنفيذية لشركة آرك إنفستمنت مانجمنت، أشارت في مقابلة أجريت معها أخيرا إلى أن مثل هذه الابتكارات، التي تشمل التنقل ذاتي القيادة، وسلسلة الكتل (البلوك تشين)، والتحرير الجيني، والروبوتات القادرة على التكيف والشبكات العصبية، من المرجح أن تؤدي إلى فترة انكماش أطول أجلا من التضخم، بالنظر إلى عمق تأثيرها واتساعه في جميع مجالات الأعمال.
من المؤكد أنها ستعطل أسواق العمل بطرق لا يمكننا تصورها بعد. يمكن للتكنولوجيا، مثلا، أن تلعب دورا مهما في موازنة الضغوط التضخمية الناجمة عن شيخوخة جيل طفرة المواليد، الذين سيحتاجون إلى مزيد من الرعاية تماما في الوقت الذي تتقلص فيه القوة العاملة، عن طريق زيادة إنتاجية العاملين الحاليين في الرعاية الصحية والنظام الصحي.
من المرجح أن تكون الصين، التي ضخت 1.5 مليار دولار في استخدام البيانات الضخمة في مجال الرعاية الصحية على مدار العقد الماضي (والكثير من المليارات في الذكاء الاصطناعي) بؤرة الابتكار الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في مجال التشخيص والرعاية الصحية.
سياسات استخدام البيانات الضخمة في المجالات الحساسة مثل الرعاية الصحية والتمويل ستختلف، بالطبع، من بلد إلى آخر، حيث يتصارع المنظمون مع الآثار الاجتماعية لهذه التكنولوجيات الحديثة. هذه الاختلافات في السياسات الوطنية يمكن أن تكون تضخمية بحد ذاتها إذا أسهمت في الخلافات عبر الحدود في الأعمال التجارية العالمية وعندما يتعلق الأمر بحركة الأشخاص والسلع ورأس المال.
في عالم متعدد الأقطاب، ستكون هناك حتما مزيدا من حالات التأخير والنقص والتفاوت في العرض والطلب على المدى القصير.
مع ذلك، حقيقة أن الاقتصاد العالمي أصبح أكثر انقساما إلى حد ما خلال العامين الماضيين تمثل أيضا فرصة للابتكار المدفوع بالتكنولوجيا الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى انخفاض الأسعار. فكر في المزارع العمودية التي تزرع وتنتج محاصيل متناهية الصغر من المكان الذي يأكلها فيه الناس، ومنصات الرعاية الصحية عن بعد والتعليم الافتراضي التي تحد من تكاليف السفر، والتصنيع ثلاثي الأبعاد الذي يخترق سلاسل التوريد المعقدة والبعيدة.
هذه ليست سوى حفنة من كثير من التكنولوجيات الجديدة المزدهرة في الوقت الحالي. يمكن القول إن التغيير الذي يمكن أن يجلبه مثل هذا الابتكار هو الاتجاه الرئيس الوحيد لخفض معدل التضخم في الوقت الحالي. لكنه قد يثبت أنه الأقوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى