بينما يغير اسم “فيسبوك” إلى ميتا، يضع مارك زوكربيرج رهانا جريئا على رؤيته للمستقبل: مدينة فاضلة تكنولوجية يتواصل فيها الناس ويعيشون في عالم افتراضي.
فيما تبدو هذه الرؤية لـ”ميتافيرس” بعيدة المنال، إذا كانت قابلة للتحقيق على الإطلاق، فإن زوكربيرج مقتنع بأن شبكته الاجتماعية القوية التي تبلغ قيمتها ثلاثة مليارات دولار، والتي يمكن القول الآن أنها الشركة التكنولوجية الأكثر إثارة للجدل في العالم، يجب أن تتحرك بشكل حاسم للاستيلاء على ما يعتقد أنه سيكون التطور القادم للإنترنت.
قال في مقابلة مع النشرة الإخبارية التكنولوجية “ستراتشيري” Stratechery : “بحلول نهاية هذا العقد، أو حتى منتصف العقد، أعتقد أننا سنصل إلى نقطة حيث تبدأ أجهزة الواقع الافتراضي لدينا في أن تكون أفضل لكل حالة استخدام تقريبا من الكمبيوتر والكمبيوتر المحمول”.
يوم الخميس الماضي، أشار زوكربيرج إلى نيته إعادة تسمية “فيسبوك” وإعادة هيكلتها. ستصبح شركات الشبكات الاجتماعية الأساسية نصف ميتا، بينما ستكون رياليتي لابس Reality Labs، القسم المخصص للعالم الافتراضي، وحدة ثانية، باستثمار يبلغ عشرة مليارات دولار في عام 2022 ومضاعفة قوتها العاملة إلى 20 ألف مهندس.
أعطى الإعلان “فيسبوك”، المسماة الآن ميتا، قيادة مبكرة وحاسمة في السباق لبناء عالم غني عبر الإنترنت، لكنه يثير أيضا أسئلة مهمة حول مستقبل نموذج أعمالها، فضلا عن مخاوف بشأن ما إذا كان بإمكان مستخدميها، بالنظر إلى سجلها، التأكد من خصوصيتهم وأمنهم.
شركة “فيسبوك” ليست العملاق التكنولوجي الوحيد الذي يشارك في مطالبته بالواقع الافتراضي. يعتقد أيضا أن “أبل”، على وجه الخصوص، تعمل على أجهزة الواقع المعزز والافتراضي. لكن بالنسبة إلى زوكربيرج، الفشل في أن يكون في قلب انتقال العالم إلى الهواتف الذكية حفزه ليكون في طليعة ما يعتقد أنه سيكون التحول الكبير التالي.
اشتكى النقاد من أن هذه الخطوة هي محاولة في الوقت المناسب من قبل زوكربيرج لإبعاد “فيسبوك” عن أحدث موجة من الفضائح، بعد أن سربت المبلغة، فرانسيس هوجن، مجموعة من الوثائق الداخلية إلى الجهات التنظيمية والصحافيين، ما يسلط الضوء على نضاله من أجل التنظيم الذاتي.
لكن في المقابلات، قال زوكربيرج إن التحول تم التخطيط له بعناية، لمدة ستة أشهر على الأقل، ولم يكن محاولة للابتعاد عما يدعي النقاد أنه علامة تجارية سامة بشكل متزايد.
بدلا من ذلك، شهدت عملية إعلامية تم تنفيذها بشكل استراتيجي زوكربيرج يناقش مرارا وتكرارا ميتافيرس في وقت سابق من هذا العام، مقدما المفهوم إلى ما وراء دوائر الألعاب قبل أن يرهن ادعاءه على الفضاء من خلال اعتماد ميتا اسما لشركته.
قال في رسالة مفتوحة: “في الوقت الحالي، علامتنا التجارية ترتبط ارتباطا وثيقا بمنتج واحد (فيسبوك) بحيث لا يمكن أن تمثل كل شيء نقوم به في الوقت الراهن، ناهيك عن المستقبل. الواقع الافتراضي هو التخوم التالية”.
في مكالمة مع المحللين يوم الإثنين، قالت الشركة إنها ستنفق عشرة مليارات دولار على الواقع الافتراضي في عام 2022، وإن تكلفة التشغيل هذه سترتفع في الأعوام المقبلة. يعمل لدى “فيسبوك” بالفعل عشرة آلاف شخص على المشروع ويتطلع إلى توظيف عشرة آلاف آخرين في أوروبا.
أندرو (بوز) بوسورث، أحد الموظفين الأوائل في “فيسبوك”، هو المسؤول عن الخطط، وقد أصبح أخيرا مديرا التكنولوجيا في المجموعة بأكملها. وفيشال شاه، رئيس المنتجات السابق في إنستجرام، يعمل أيضا على الواقع الافتراضي، لكن ليس من الواضح عدد كبار المديرين التنفيذيين الآخرين الذين سينتقلون لهذا المشروع.
قال نيل كامبلينج، المحلل التكنولوجي في شركة ميرابود للأوراق المالية، إن القطاع الجديد سيخسر ما يقدر بسبعة مليار دولار هذا العام وإن الخسائر “من المرجح أن ترتفع في العام المقبل”. لكن من خلال تقسيم الوحدة أظهرت “فيسبوك” أيضا “أن الحجم الهائل لهذه الاستثمارات أعلى بكثير من أي شركة أخرى في هذا المجال”.
أشار الشركة إلى أنه في حين أن بعض الشركات ركزت بشكل حصري على قطاع الأجهزة في الواقع الافتراضي، وبعض آخر مثل إيبيك جيمز وروبلوكس ركز على البرامج، فقد تم تصميم “نهج النظام الأساسي الشامل” في “فيسبوك” ليكون مكانا يمكن للمستخدمين فيه “قضاء حياتهم الرقمية بأكملها “.
رحب المستثمرون أيضا بفصل عائدات رياليتي لابس عن بقية شركات وسائل التواصل الاجتماعي، التي تشمل أيضا واتساب وإنستجرام. وفقا لبرينت ثيل، محلل البرمجيات والإنترنت في شركة جيفريز: “(الفصل) يمنح المستثمرين مزيدا من الوضوح حول الاتجاه الذي ستتخذه المبادرة. لقد فعلت جوجل ذلك مع يوتيوب وساعدت المستثمرين على فهم القصة بشكل أفضل”.
إذا نجحت خطط “فيسبوك”، فإن المكاسب المحتملة ليست مجرد مليارات الدولارات من عائدات الإعلانات، ولكن أيضا العائدات من نشاط تجاري مزدهر للتسوق عبر الإنترنت. قال زوكربيرج إنه يعتزم دعم اقتصاد رقمي بديل – حيث يمكن للمستخدمين شراء عناصر رقمية، مثل اللوحات الفنية أو الملابس، لأخذها معهم أثناء انتقالهم الفوري من الفضاء إلى الفضاء – حيث تزداد شعبية الرموز غير القابلة للاستبدال. وشدد يوم الخميس على أن العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال لا بد أن تلعب دورا في هذا العالم المشترك.
لكن الوصول إلى هناك سيكون مليئا بالتحديات. فقد وجد زوكربيرج أن أوكولوس، شركة سماعة الواقع الافتراضي التي اشتراها مقابل ملياري دولار في عام 2014، كانت صفقة صعبة الاستثمار على نحو أكبر مما كان متوقعا، حيث اكتسب الواقع الافتراضي قوة جذب متزايدة بين غير اللاعبين فقط. قال برايان وايزر، الرئيس العالمي لذكاء الأعمال في جروب إم، إن مفتاح مستقبل شركة ميتا سيكون إقناع المستخدمين بقيمة خبراتها الاجتماعية وغير المتعلقة بالألعاب، ولكن أيضا جذب المسوقين للمنصة على الرغم من سمعة “فيسبوك” المشوهة.
في وقت سابق من هذا العام، انسحب الشريك الإعلاني الأول لـ”فيسبوك” في سماعة الرأس أوكولوس، لعبة إطلاق النار بلاستون Blaston، من المبادرة بعد أقل من أسبوع بعد رد فعل عنيف من مجتمع الألعاب حول ضخ الإعلانات في تجربة سماعات الرأس.
قال وايزر: “من الناحية الواقعية، ستحتاج إلى شراكات مع شركات التجزئة – الشركات التي تشعر أنها على ما يرام في العمل مع “فيسبوك””، مضيفا أن الشركة قد تكافح أيضا لجذب أفضل المواهب على الأساس نفسه.
حتى الآن، تلقت هذه المبادرة ردود فعل متباينة من قبل المطورين، ولا سيما أولئك الذين يعملون في مجال العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال. قال راؤول بال، مدير صندوق التحوط السابق، والمتحمس للعملات المشفرة والمؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمجموعة ريل فيجين جروب، على “تويتر”: “كن أقل تشاؤما وستدرك أن العالم قد تحرك اليوم عن محوره. الواقع الافتراضي عبارة عن مستوى جديد بالكامل من الناتج المحلي الإجمالي ولديه إمكانات لا حصر لها، أيا كانت التجربة التي تختارها في الواقع الافتراضي”.
لكن إيفان غرير، الموجه العام لمنظمة فايت فور ذا فيوتشر، حذر من أن زوكربيرج “يستولي على” الواقع الافتراضي من أجل أن “يحاول ترسيخ قبضته الخانقة على مستقبل الاهتمام والتفاعل البشري”.
وقد واجه المشروع بالفعل انتقادات من أكاديميين وخبراء يشعرون بالقلق إزاء طرح قضايا رئيسة تتعلق بالخصوصية والسلامة، في وقت ينظر فيه إلى أن “فيسبوك” تعاني في فرض الرقابة على نظامها الأساسي الحالي.
وبينما تعهدت “فيسبوك” بأن “الخصوصية والسلامة يجب أن يتم تضمينهما في الواقع الافتراضي منذ اليوم الأول”، لا يزال من غير الواضح كيف ستفرض الشركة الرقابة على نظام مفتوح وقابل للتشغيل البيني، وما إذا سيكون باستطاعة المستخدمين إنشاء هوية افتراضية واحدة أو أكثر.
في كلتا الحالتين، ستكون الشركة تحت الضغط كي تضمن السلامة عبر الإنترنت، خاصة للمستخدمين الأصغر سنا، ضد المحتالين، والمضايقات والمحتويات الضارة الأخرى.
هناك أيضا أسئلة لم تتم الإجابة عليها حول الأنواع الجديدة لبيانات المستخدم التي ستنشئها هذه المنصة، وكيف سيتم ربطها بآلة الإعلان الخاصة بمنصة ميتا، وكيف ستضمن أمنها. قد تشمل هذه المعلومات تلك التي تم جمعها عن طريق تتبع حركة أعين المستخدمين وأيديهم، إضافة إلى المعلومات البيومترية المستخدمة لإنشاء شخصيات رمزية معقولة.
قال غاس حسين، المدير التنفيذي لشركة برايفاسي إنترناشونال: “ما يميز الواقع الافتراضي هو إنشاء وامتلاك هويات تتجاوز حدود الأجهزة والمساحات. إذا كانت هويتك، التي قدمتها لك شركة واحدة، هي الهوية التي تستخدمها للتنقل عبر الإنترنت في المستقبل، فستكون هذه الشركة في موقع قوة ضدك”.
قالت إليز ديك، محللة السياسات في المؤسسة الفكرية إنفورميشين تكنولوجي آند إنوفيشين فاونديشين، إن على المشرعين البدء بالنظر في قوانين الواقع الافتراضي ابتداءً من الآن، بعد أن استغرقهم الأمر عقودا للرد على مشكلات حدثت على الإنترنت سابقا.
ومن بين الأسئلة الشائكة التي يجب تسويتها بحسب ديك، كيفية مراقبة الفضاءات الافتراضية بالشكل الصحيح، وكيفية التأكد من أن الواقع المعزز والافتراضي يعملان على تمكين الناس، بدلا من التسبب بتفاقم المشكلات الناجمة عن الممارسات الجائرة.
أضافت جوليا باولز، الأستاذة المساعدة في القانون والتكنولوجيا في جامعة أستراليا الغربية: “تتعامل منصة ميتا مع العالم على أنه عقار رقمي ومجاني، ومورد لاستخراج الشركات وفرض رقابتها وتوفير أساس تجاري”. قالت أيضا: “إننا ندعو إلى استباق الأمور في هذه المضاربة من خلال منح تصريح من قبل الدولة، أو رخصة، أو فرض رسوم، أو ضريبة”.