بدخول النقص العالمي لأشباه الموصلات عامه الثاني، يبدو أن الحكومة الأمريكية قررت أن الأوقات الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية.
يواصل نقص الإمدادات وطأته على القطاعات المختلفة من السيارات إلى الأدوات المنزلية، ما يحد من التعافي الاقتصادي العالمي من الركود الناجم عن كوفيد ويضيف إلى أزمة سلسلة التوريد العالمية.
في أيلول (سبتمبر) الماضي أخبرت جينا ريموندو، وزيرة التجارة، صانعي الرقائق أن واشنطن تريد منهم تقديم بيانات حول تفاصيل أعمالهم، مثل المخزون، التي سيتم استخدامها للمساعدة على تحديد العقبات في سلسلة التوريد في وقت مبكر وبشكل أكثر وضوحا. وعلى الرغم من إعلان أن المشاركة طوعية، أشارت إلى أن الولايات المتحدة قد تجبر أولئك الذين لا يمتثلون.
ليس من الصعب رؤية سبب التفكير في إجراء صارم كهذا، بالنظر إلى حجم الدمار. لكن من الممكن أن يكون تدخل الولايات المتحدة معدوم الجدوى.
يقول بيتر هانبيري، وهو شريك في شركة باين آند كومباني، “ما تريده إدارة بايدن هو برج مراقبة يرى كل شيء في الصناعة، التنبؤ، والمخزون، والسعة، والاستخدام. لكن من غير المرجح أن ينجح ذلك”.
إن شركة تصنيع شبه الموصلات التايوانية TSMC، وهي أكبر شركة متعاقدة مصنعة للرقائق في العالم، وقريناتها “لن يكونوا راغبين في إخبار الحكومة بالسعة التي يقدمونها لشركة أبل، لأن الحكومة الأمريكية حينها قد تطلب منهم منح هذه السعة لشخص آخر بدلا من ذلك”، كما يقول هانبيري.
يضيف، “قد تكون هناك أيضا مشكلات تتعلق بمكافحة الاحتكار، لأن صانعي السيارات إذا تمكنوا من رؤية جميع هذه البيانات، حينها يمكنهم التواطؤ لخفض الأسعار”.
أصبحت الشركات مبدعة رغم ذلك في الاستجابة لنقص الإمدادات. يقول مسؤولون تنفيذيون في شركة لوكسشير، وهي شركة صينية لتصنيع الإلكترونيات وموردة لشركة أبل، إن البحث عن مكونات من شركات ليست من مورديها المنتظمين أصبح جزءا من عملهم. ويحاول صانعو الرقائق بموجب عقود “تشكيل الطلب” من خلال إقناع العملاء باستخدام مواصفات مختلفة قليلا لتقديمها بشكل أسرع.
كما يقوم عملاء مصنعي الرقائق بالتكيف أيضا. يقول فيلكس لي، وهو محلل في شركة مورنينج ستار، “إن الشركات معتادة على الدفع مقدما مقابل السعة، وتوقيع اتفاقيات طويلة المدى تمتد من 12 إلى 18 شهرا مسبقا”.
يضيف، “أحيانا النقص يجعلهم يوقعون لمدة 36 إلى 60 شهرا. لكن بعض المنتجين يرفضون الطلبات بدلا عن السماح بتراكم مزيد من الأعمال، لأن العملاء إذا تمكنوا من حجز هذا الحجم مسبقا، يمكنهم تثبيت السعر”.
إلى جانب الحلول قصيرة المدى، يؤدي ضغط سلسلة التوريد إلى إعادة التفكير في العمليات على نطاق أوسع.
يقول هانبيري، “بينما كانت عملية الإنتاج سابقا تنقسم إلى عدد من المكونات الصغيرة، أدركت الشركات الآن أنه بالرغم من أن ذلك قد يكون أكثر فاعلية من حيث التكلفة، إلا أنه أيضا يجعل الوضع أكثر عرضة للاضطراب”. وبذلك فهو يتوقع تكاملا رأسيا من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ.
بعض من هذا يحدث بالفعل، استحوذت شركة فوكسكون، وهي أكبر شركة لتصنيع الإلكترونيات بموجب عقود في العالم، على حصص في اثنتين من شركات صنع الرقائق لتأمين الإمدادات لأعمالها الناشئة في مجال السيارات الكهربائية. في الوقت نفسه، بعض بيوت تصميم الرقائق التي كانت تستخدم شركة تصنيع واحدة تعمل بموجب العقود فقط، تتطلع الآن إلى إضافة شريك تصنيع ثان أو ثالث.
وتسعى الشركات أيضا إلى فهم أفضل للمكان الذي تأتي منه المكونات الإلكترونية التي تدخل في منتجاتها. في أعقاب زلزال فوكوشيما وسونامي 2011 في اليابان اللذين أديا إلى تعطيل سلاسل الإمداد، أنشأت شركة تويوتا نظاما داخليا لتتبع أصل عديد من وحدات التحكم الإلكترونية المختلفة الموجودة في كل سيارة. مزيد من هذه الجهود سيوجد الشفافية التي تسعى إليها مبادرة ريموندو.
يمكن أن تحفز تشنجات سلسلة التوريد أيضا الشركات المصنعة على الابتعاد عن البصمة الإنتاجية المركزة بشكل مفرط في بلد واحد. وهذا من شأنه أن يساعد عن غير قصد على فصل سلاسل التوريد عن الصين التي طالما سعت إليها الحكومة الأمريكية منذ وقت طويل.
لكن لاستبعاد تكرار النقص الهائل الذي شهدناه خلال العام الماضي، ستكون هناك حاجة إلى نهج أكثر تطرفا.
يقول أندرو تيلتون، خبير الاقتصاد الآسيوي في بنك جولدمان ساكس، “القضية الأساسية هي أنه في أشباه الموصلات لدينا هيكل صناعي مركز، فيه استثمارات ضخمة متعددة الأعوام، وهي بطيئة في الاستجابة لتحركات الطلب على شكل حرف V كما نشهد الآن. من الناحية النظرية، يمكن أن تساعد الجهود المبذولة لتكرار سلاسل التوريد وبناء طاقة فائضة، لكن هذا سيكون مكلفا للغاية ويستغرق وقتا”.
فايننشال تايمز – كاترين هيل