الذكاء الاصطناعيالرئيسية

الرقمنة والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل سوق الفنون

هاشتاق عربي - الاقتصادية

شارك هذا الموضوع:

69.346 مليون دولار، على وجه التحديد، هذا هو سعر بيع العمل الفني الرقمي للفنان الأمريكي المعاصر، بيبل، بالمزاد العلني بواسطة دار “كريستيز” في آذار (مارس) الماضي.
إذا كانت قياسات اللوحات الفنية التقليدية بالسنتيمترات أو الأمتار، فإن قياس هذه اللوحة الرقمية كان على شكل JPEG، وهي الطريقة المعيارية الشائعة لضغط الصور الرقمية.
جنون الإبداعات الفنية الرقمية هذه، وهي ظاهرة حديثة اكتسبت شعبية عالمية أثناء الإغلاق الذي فرضه كوفيد-19، لا تتبخر هكذا في الطبيعة، فهناك “شهادات ملكية” للفن الرقمي تؤكد أصالة الأعمال الرقمية وتسمح للمصادقة الرقمية، مسجلة على كتلة البيانات المتسلسلة blockchain.
الشهادة تعرف بالاختصار NFT أو non-fungible token وتعني: رمزا غير قابل للتحويل. لكن ما هو NFT، هذه الحروف الثلاثة التي تساوي الملايين في سوق الفن الرقمية عبر الإنترنت، وكيف تعمل هذه السوق لشراء المقتنيات الرقمية أو الإبداعات وبيعها وأحيانا تصل الأسعار بالملايين، وما مستقبل هذه السوق؟

ما NFT؟

جان لوك لاسكيليك، رئيس ومؤسس شركة “وولكريبت”، وهي شركة فرنسية مكرسة لتقنية كتلة البيانات المتسلسلة، يوضح لـ “الاقتصادية” قائلا: إنه رمز يجسد شهادة الأصالة، تماما مثل الشهادة الورقية لعمل فني تقليدي. هذه الحروف تسمح بالتصديق على كتلة البيانات المتسلسلة بأن صاحب التسجيل هو بالفعل مالك العمل الفني الرقمي، الذي قام بتسجيله.
يضيف: الـ NFT هي شهادة ملكية فريدة من نوعها تؤكد أن للعمل الفني الرقمي مالكين بعينهم. هي مقاومة للعبث، وقابلة للشراء، ويمكن إعادة بيعها. ويتم تخزين شهادة المصادقة هذه المرتبطة بفن رقمي أو مادي في كتلة البيانات المتسلسلة، تماما على غرار عملة بيتكوين، لها معرفات فريدة تسمح بالتعرف، دون خطأ، على الأشخاص، الذين يملكونها ومصداقيتهم وإمكانية تتبعهم.
يقول: تم تدوين سجلات المبيعات منذ ستة أشهر، لكن هناك حاليا انفجار حقيقي، المزيد والمزيد من المنصات تقدم “شهادات ملكية”. يضيف، تكمن الحداثة في حقيقة أن الأعمال الفنية الرقمية يتم الحصول عليها بنقرة بسيطة، وأحيانا دون مشاهدتها.
غالبا ما يكون المشترون من المستثمرين الشباب، الذين يأتون من أوساط تقنية المعلومات أو الثروات الجديدة، الذين يرغبون في دخول هذا العالم المبتكر والمضارب.

فصل جديد في تاريخ الفن

يبدو أن الخبراء يتفقون على حقيقة أن هذه الأعمال الرقمية أخذت تفتح فصلا جديدا في تاريخ الفن، سواء ما يتعلق بوسائل الاقتناء- مثل كتلة البيانات المتسلسلة- أو التقنيات المستخدمة، مثل الذكاء الاصطناعي.
مثال صارخ: إنشاء لوحة رامبرانت “الجديدة”، بواسطة الخوارزميات وتقنية ثلاثية الأبعاد. تم إنجاز العمل بواسطة برنامج حاسوب يعمل بالذكاء الاصطناعي، بمشاركة مؤرخين ومحللين بالتعاون مع عديد من مطوري المعلوماتية.
ويتم شرح عملية رامبرانت “الجديدة” على موقع ويب خاص بالفن الرقمي- nextrembrandt.com-. أولا، كان من الضروري بناء قاعدة بيانات عن أعمال رامبرانت تتكون من 160 ألف قطعة و346 لوحة، باستخدام ماسح ثلاثي الأبعاد.
تم تشريح هذه المعلومات باستخدام خوارزمية جمعت الخصائص الرئيسة لرسام القرن الـ17. سمح التحليل الدقيق للبيانات للمطورين بتحسين صورة مركبة تحدد سمات معينة لرامبرانت. لذلك كان الحاسوب قادرا على تقديم عمل أصلي لكن نموذجي بتقليد أسلوب المعلم الهولندي عن كثب.

نوبة الملكية

من غرائب هذا الفن، إنه على الرغم من أنه لا يوجد سوى شخص واحد يمتلك “شهادة ملكية” للوحة الرقمية، إلا أنه يمكن للجميع الوصول إليها، ويمكن لأي شخص رؤيتها وإعادة طبعها. إذن، ماذا يملك صاحب اللوحة الرقمية إذا كان العمل متاحا للجميع وفي جميع الأوقات؟
في مقابلة مع التلفزيون السويسري، تجيب على ذلك، ألبرتين مونييه، وهي نفسها فنانة رقمية وجامعة للفن الرقمي: “صحيح، تظل اللوحة متاحة للجميع ويمكن الحصول عليها والاستفادة منها، لكن نحن في الرأسمالية نعيش في نوبة الملكية .. أنت مالك للملكية، هذا الشعور لا يمكن القضاء عليه”. تضيف هذه الفنانة، إذا كنت تريد أن ترى مجموعتي، فاذهب إلى المنصة الرقمية أوبنسي OpenSea، وتكتب اسمي، ويمكنك رؤية مجموعتي. يمكنني أيضا نشر عمل، بيبل، على حسابي، لكنه سيبدو كملصق. الفرق، إنه مثل وجود بيكاسو حقيقي أو ملصق لبيكاسو.
لاسكيليك، يجيب على السؤال بذات الطريقة: “السبب هو إثبات أنهم أصحاب ملكية”. يضيف، في الفن التقليدي، وصل عديد من أعمال الرسامين التقليديين أيضا إلى ثروات. لكن ماذا يفعل المشترون بها؟ كثير منهم، مثل شركات التأمين، التي لا تستطيع عرضها، يضعونها في خزائن مقفلة أو يقرضونها للمتاحف. أخيرا، دعونا لا ننسى أن سوق الفن الرقمية تخضع أيضا لقانون العرض والطلب، حسب تعبيره.

مبيعات سوق الفن الرقمية

شهدت الأشهر الأخيرة ثورة صغيرة في عالم الفن المعاصر، حيث ارتفعت أسعار الأعمال الرقمية إلى عشرات الملايين من الدولارات، ما دفع النقاد للحديث عن “إعادة تشكيل عالم الفن” لمصلحة “فن رقمي” يستند على الذكاء الاصطناعي. ذهب بعض النقاد للحديث عن “ثورة” في عالم الفن و”زعزعة السوق” و”توليد حمى المضاربة”.
في 11 آذار (مارس) 2021، باعت دار “كريستيز” القطعة الفنية “كل يوم: أول خمسة آلاف يوم” للفنان الأمريكي بيبل (الاسم الحقيقي مايك وينكلمان) المولود 1981 بالمزاد بمبلغ قياسي بلغ نحو 70 مليون دولار. هي أيضا أول قطعة فنية رقمية يتم بيعها من قبل دار كبرى. بعد هذا البيع القياسي، قال نقاد للفن: إن هذا السعر يؤكد حقيقة الثورة الجارية في سوق الفن.
“كل يوم: أول خمسة آلاف يوم”، هو تجميع للرسومات والرسوم المتحركة، التي أنتجها، بيبل، يوميا لمدة خمسة آلاف يوم دون انقطاع – من 1 أيار (مايو) 2007 إلى 7 كانون الثاني (يناير) 2021. بهذه الطريقة، دخل الفنان الأمريكي في المراكز الثلاثة الأولى بين أغلى الفنانين الأحياء في العالم، خلف ديفيد هوكني وجيف كونز.
الرقم القياسي الثاني المتعلق بالفن الرقمي: أن نحو 22 مليون مستخدم للإنترنت تابع الدقائق الأخيرة من البيع على موقع كريستيز. كما كانت لوحة، بيبل، أو بيع لعمل رقمي من قبل دار مزادات كبرى. ذكرت الدار أيضا أنه لم يسبق لجميع المشاركين في المزاد تقريبا (91 في المائة) أن قدموا منتجاتهم للبيع في كريستيز. أغلبهم (58 في المائة) تراوح أعمارهم بين 25 و 40 عاما.
قبل ذلك، باعت “كريستيز” المنافسة لوحة رسمها الذكاء الاصطناعي بالمزاد العلني في شباط (فبراير) الماضي بمبلغ 390 ألف يورو تمثل “إدموند بيلامي”، قامت بتنفيذها مجموعة أوبفيوس الفرنسية.
من جانبها، عرضت دار “سوثبيز” للبيع كميات غير محدودة من “مكعبات” ابتكرها الفنان، باك. أكثر من ثلاثة آلاف جامع للمكعبات اشترى ما لا يقل عن مكعب واحد ليبلغ إجمالي البيع 16.8 مليون دولار.
حسب، لاسكيليك، تولد سوق الفن الرقمية أكثر من عشرة ملايين دولار من المعاملات يوميا على منصات رقمية مثل “أوبن سي OpenSea” أو “سوبر رير SuperRare”، وهو نوع من المعارض عبر الإنترنت، حيث يبيع الفنانون الرقميون أعمالهم. أما موقع NonFungible.com للفن الرقمي، فقد ذكر أنه في الربع الأول من 2021، تم تداول أكثر من ملياري دولار من مبيعات الفن الرقمي.

عالم المهوسين ومستقبل الفن الرقمي؟

من الصعب شرح مفهوم شهادة الفن الرقمي، يبدو أن عامة الناس مستبعدة من هذه الموجة الفنية الجديدة بأكملها، لأنهم لا يملكون بالضرورة المهارات التقنية، أو حتى فكرة وجودها. لكن موجة الفن الرقمي سيكون لها ميزة إثارة الاهتمام بعالم متخصص، عالم الفنانين الرقميين الذين، بالنسبة لبعض، أصبحوا نجوما حقيقيين للفن المعاصر.
لكن من جهة أخرى، يتم حاليا إعادة التفاوض على العلاقات بين عالم الفن المعاصر وعالم الفنون الرقمية، وهو تفاوض يؤكد وجود مستقبل لهذا الفن. عديد من جامعات الفنون في أوروبا بدأت تفسح المجال للتدريب والتعلم في ميدان الفن الرقمي، على مستوى البكالوريوس في “مدرسة لوزان للفنون”، أو في درجة الماجستير في “جامعة جنيف للفنون والتصميم”. بعض المحللين عزا هذا الاهتمام إلى أن الفن الرقمي أخذ يسمح للفنانين بكسب عيشهم من فنهم لظهوره الآن كنموذج لسوق اقتصادية تتجه نحو الازدهار.
يذكر أن هذا الفن يدخل تحت إطار الاقتصاد الإبداعي، الذي يغطي الأنشطة الاقتصادية القائمة على المعرفة، التي تقوم عليها “الصناعات الإبداعية”. تشمل هذه: الإعلان، والعمارة، والفنون والحرف، والتصميم، والأزياء، والأفلام، والفيديو، والتصوير الفوتوغرافي، والموسيقى، والفنون الأدائية، والنشر، والبحث والتطوير، والبرمجيات، وألعاب الحاسوب، والنشر الإلكتروني، ونشاطات التلفزيون والإذاعة.

المصدر
الاقتصادية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى