الرئيسيةريادة

الابتكار العكسي.. سهم في العصر الرقمي

هاشتاق عربي - جيليان تيت

شارك هذا الموضوع:

مقاطع الفيديو عبر الإنترنت التي كانت مروعة وملهمة تظهر فريقا من الجراحين يجرون عمليات القولون والمستقيم والقلب.

لكن بدلا من التجمع حول المريض في غرفة العمليات، كما يظهر في المسلسلات التلفزيونية مثل مسلسل “غرفة الطوارئ”، كان الجراحون متفرقين: بعضهم بجانب المريض، لكن آخرين كانوا على بعد أميال عديدة، يوجهون زملاءهم بيد “افتراضية”، بفضل الواقع المعزز.

سمي هذا، إذا أردت، زووم للجراحين – بدلا من عقد اجتماع عبر الفيديو، يدخلون مشرطا في الدماغ. أو كما تقول نادين حشاش حرام، وهي جراحة تجميل في الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة ومؤسسة بروكسيمي Proximie ، المنصة التي شاهدت مقاطع الفيديو عليها: “الفكرة هي جمع العاملين في مجال الرعاية الصحية الافتراضية معا – نحن نرقمن غرفة العمليات ونقدمها إلى جميع الأشخاص حول العالم”.

حشاش حرام، البالغة من العمر 39 عاما، طرحت لأول مرة فكرة إجراء جراحة افتراضية قبل عقد من الزمن، عندما تطوعت، مثل كثير من الأطباء في الغرب، للعمل الطبي التطوعي في مناطق مزقتها الحروب في العالم وأصيبت بالإحباط بسبب عدم إمكانية الوصول إلى الجراحين هناك.

لتصحيح ذلك، أسست بروكسيمي في 2016 أداة للتدريب. مع ذلك، في تلك الأيام الأولى، قالت إنها واجهت معركة شاقة لإقناع الأطباء الآخرين بقبول الفكرة: تم تدريب معظمهم على اعتقاد مفاده أن الجراحة “بصورتها الصحيحة” تنطوي على القرب من المريض. قالت لي إن الحاجز “كان قضية ثقافية بقدر ما كان قضية تكنولوجية”.

لكن خلال عمليات الإغلاق لكوفيد – 19، وتقييد السفر، لم يتمكن الأطباء من العمل في دول أخرى أو تبادل الخبرات مع زملائهم وجها لوجه. نتيجة لذلك، بدأت بعض المقاومة الثقافية بين الجراحين تجاه التطبيب عن بعد تتلاشى. في 2020 كان هناك تسعة أضعاف وخمسة أضعاف، على التوالي، في عدد المستخدمين والإجراءات على منصة بروكسيمي.

حتى الآن، تم تنفيذ 9200 إجراء في 270 مستشفى حول العالم. ثلثاها في الغرب وتخبرني حشاش حرام أن استخدام بروكسيمي في المملكة المتحدة يتم الآن في خمس المستشفيات التابعة للخدمات الصحية الوطنية.

هذا يعكس نمطا أكبر استفاد منه كثير من الشركات الناشئة في مجال الطب عن بعد. يقول تقرير حديث صادر عن شركة ماكينزي الاستشارية: “تسبب كوفيد – 19 في زيادة سريعة في استخدام الرعاية الصحية الافتراضية”، مشيرا إلى أن استشارات التطبيب عن بعد زادت “25 ضعفا في الفترة من شباط (فبراير) إلى نيسان (أبريل) 2020 في الولايات المتحدة، وهو اتجاه انعكس أيضا في الصين وأوروبا الغربية”.

تتوقع ماكينزي أن هذا المستوى من النمو سينخفض عندما ينتهي الإغلاق، لكنها تقول إن التطبيب عن بعد “من المتوقع أن يستقر عند مستويات أعلى من مستويات ما قبل الوباء ويستمر في النمو”. بعبارة أخرى، الآن بعد أن انهارت المقاومة الثقافية للطب الافتراضي، من غير المرجح أن ننسى هذا الدرس. من المنتظر أن تظل “جراحة زووم” سمة من سمات الطب الحديث.

إنه مثال صارخ على كيف يمكن لمفهوم “الحياة الطبيعية” أن يتغير بطرق غير متوقعة. مع ذلك، هناك تطور مثير للتفكير في هذه القصة: الطب عن بعد هو أيضا مثال على “الابتكار العكسي”، أو مفهوم جلب الأفكار الذكية التي تم تطويرها أو نشأت في العالم غير الغربي إلى الغرب (بدلا من افتراض أن الابتكار يحدث دائما في الاتجاه المعاكس).

كان الدافع الذي ألهم حشاش حرام بدء بروكسيمي هو رؤية الحاجة إلى جراحة أفضل في المناطق الفقيرة من العالم (بما في ذلك لبنان الذي تنحدر منه عائلتها). تبنى الأطباء هناك مخططاتها التجريبية لأنهم كانوا حريصين على المساعدة. وعلى عكس الغرب، كانت هناك بنية تحتية طبية أحدث. بعد أن تم تطوير المفهوم هناك، أعيد المفهوم مجددا.

من أمثلة الابتكار العكس أيضا ما حدث في عالم التمويل. قد تكون هذه مجرد صدفة، أو ربما لا. في 2007، أطلقت شركة اتصالات في كينيا نظام مدفوعات عبر الهاتف الجوال “إم بيسا” M-Pesa، للتغلب على نقص البنية التحتية المصرفية المترسخ في إفريقيا. تم تبني هذا المفهوم في كينيا وواجه مقاومة ثقافية في الغرب، لكن تم تبنيه لاحقا.

هل يمكن أن يحدث هذا النوع من “القفزات” بشكل متكرر؟ نور سويد، التي تدير صندوق استثمار جلوبال فنتشرز في دبي (الذي استثمر في بروكسيميي) تعتقد ذلك. وتتوقع أن التعليم يمكن أن يصبح ساحة أخرى للابتكار العكسي قريبا. فأصحاب رؤوس الأموال المغامرة الأثرياء يجوبون العالم بحثا عن أفكار جديدة ساخنة.

يقول بيتر كراوس، من أبرتشر إنفسترز، وهي شركة لإدارة الاستثمار في نيويورك: “يبحث كل مدير (استثمار) اليوم عن منحنى الابتكار هذا. إنهم يبحثون عن أفكار أو طرق جديدة لأخذ فكرة من منطقة ما وتطبيقها في مكان آخر. يمكن أن تقفز الأسواق النامية في بعض الأحيان إلى الغرب لأن هناك مقاومة أقل للتبني الرقمي”.

بعبارة أخرى، عندما ينظر المؤرخون إلى عصر كوفيد – 19، قد لا يخلصون فقط إلى أنه غير طريقة عملنا، ولكن أيضا زاد وتيرة حركة المهارات والأفكار والمال. هذه الفيديوهات الدموية لـ”جراحة زووم” هي رمز صغير لنوع جديد من العولمة.

المصدر
الاقتصادية

فايننشال تايمز

صحيفة بريطانية دولية تتحدث عن الأعمال، يتم نشرها في لندن منذ تأسيسها في عام 1888 من قبل جيمس شيريدان وأخوه. هناك اتفاق خاص بين فايننشال تايمز وصحيفة الاقتصادية السعودية يتم بموجبها ترجمة لأهم مقالاتها يوميا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى