الرئيسيةريادة

المهاجرون الرقميون .. مهارات عالية بنصف الأجر

هاشتاق عربي - سايمون كوبر

شارك هذا الموضوع:

شخص كندي أعرفه بدأ للتو العمل في أحد البنوك في الولايات المتحدة. لن يضطر إلى الانتقال هناك: سيعمل من منزله في تورنتو وسيستمر في دفع الضرائب الكندية. سيكسب أقل مما كان سيكسبه في الولايات المتحدة، لكن أكثر مما يكسبه في كندا.

صاحب مشاريع أعرفه في باريس يعين موظفين بالطريقة نفسها. بعد أن ضرب الوباء، أغلق مكتبه وسرح كثيرا من الموظفين. الآن يوظف مصممي جرافيك في جنوب إفريقيا بدلا من باريس، ويحصل على أشخاص ذوي خبرة أعلى بنصف السعر. لن يعود لتوظيف الباريسيين.

كان هناك حديث لا نهاية له عن انتقال العاملين عن بعد من نيويورك أو لندن إلى فلوريدا أو ساسكس. في الواقع، هناك شيء أكثر جذرية يحدث: يتم التعاقد على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية في أماكن مختلفة من العالم بعيدا عن المدن الكبيرة المعروفة. مثل كثير من التغييرات التي أحدثها الوباء، ما بدأ استجابة طارئة قد يصبح أمرا دائما.

الاتجاه نحو العمل عن بعد في العالم كان يسبق كوفيد – 19، خاصة في مجال التكنولوجيا. الشركات في وادي السيليكون ونيويورك، التي تبحث عن مواهب رخيصة من الدرجة الأولى، أنشأت فرقا من المطورين في الهند، ثم لاحقا في أمريكا اللاتينية. بعد ذلك، عندما دفع الفيروس نحو العمل المنزلي الجماعي، انتهز الناس في جميع أنواع المهن ذات الأجور المرتفعة الفرصة للذهاب إلى الخارج بأنفسهم. مرة أخرى، ربما كان التأثير هو الأقوى في مجال التكنولوجيا، حيث يمكن أداء معظم الوظائف عن بعد: نحو 71 في المائة من موظفي التكنولوجيا في وادي السيليكون كانوا من المولودين في الخارج، بحسب ما ذكرت صحيفة سياتل تايمز في 2018.

كان الأستراليون والنيوزيلنديون والإيرلنديون من بين الذين أعادوا وظائفهم إلى الوطن بسبب الوباء. أنشأت دول من بربادوس إلى إستونيا تأشيرات لجذب العمال عن بعد.

كل هذا حدث بهدوء، مدفوعا بخيارات فردية لا حصر لها. أخفى بعض “المغتربين المتخفين” تحركاتهم عن أصحاب العمل (كما فعلت عندما نقلت وظيفتي في فاينانشيال تايمز من لندن إلى باريس منذ فترة طويلة). كانت شركات المحاسبة والمحاماة من بين أول من لاحظ هذا الاتجاه، حين حذرت الشركات من القضايا القانونية. مع ذلك، تبنى معظم أرباب العمل هذا التحول. عندما أجرت شركة الاستشارات PwC استطلاعا شمل أكثر من 350 شركة في 37 دولة في نيسان (أبريل) الماضي، قال 58 في المائة إنهم سمحوا للموظفين بأداء وظائفهم من دولهم الأصلية.

رصدت اليونان الفرصة طويلة الأمد. في كانون الأول (ديسمبر)، أصدرت قانونا ينص على فرض معدلات ضرائب أقل على “المهاجرين الرقميين” الذين انتقلوا إلى هناك. يسأل كتيب ترويجي مصاحب، مع صور للبحار الزرقاء وبيوت المزارع البيضاء: “إذا كان بإمكانك العمل من أي مكان، فلماذا لا تعمل من اليونان؟” يقدم القانون اليوناني أنموذجا لكثير من الدول الرخيصة الأخرى الصالحة للعيش التي تسعى بشكل مستميت لعكس مسار استنزاف العقول اللامتناهي.

سيكون العمل عن بعد في العالم مفيدا بشكل خاص للأشخاص المتعلمين تعليما عاليا بجوازات سفر غير مؤاتية. طلاب ماجستير إدارة الأعمال الهنود والصينيون متحمسون: فجأة يمكنهم الحصول على وظائف دولية في الوقت الذي يظلون يعيشون فيه بالقرب من والديهم.

على العكس من ذلك، يمكن أن يكون ضحايا العمل عن بعد في العالم مراكز أعمال رئيسة مثل نيويورك ولندن وسان فرانسيسكو وتورنتو. (المدن الناطقة بالإنجليزية هي الأكثر عرضة للخطر لأن كثيرا من الناس من ذوي المهارات العالية في جميع أنحاء العالم يمكنهم العمل باللغة الإنجليزية). الآن يمكن للشركات في هذه الأماكن الاستفادة من مجموعة المواهب العالمية مع تقليل الأجور أيضا. بدلا من تقديم راتب 100 ألف دولار، الذي لا يزال غير كاف لدفع ثمن منزل عائلي بالقرب من المكتب، يمكن أن يشكلوا أهدافا للتوظيف مقابل 50 ألف دولار للبقاء في دولهم الأصلية الأرخص ثمنا. ومن شأن ذلك أيضا أن يحل مشكلة التأشيرات، وهي مشكلة مكلفة في وادي السيليكون ولندن بعد بريكست. بالنسبة للشركات الأمريكية سيساعد ذلك على تخفيف تكاليف الرعاية الصحية أيضا.

الشركات سريعة الحركة اتجهت بالفعل إلى التبديل. خدمة البث المباشر سبوتيفاي أخبرت الموظفين الشهر الماضي أن بإمكانهم العمل بشكل دائم من الخارج. تقول سترايب، شركة المدفوعات عبر الإنترنت، إنها ستخفض رواتب الموظفين الذين يغادرون سان فرانسيسكو أو نيويورك أو سياتل، لكنها ستسلم أيضا لكل عامل تم نقله دفعة واحدة 20 ألف دولار.

من الواضح أن الاستعانة الرقمية بموظفين من الخارج لن تنجح مع جميع الوظائف التي تتطلب مهارات عالية: ربما يحتاج رئيس القسم والموظفون من الخريجين إلى العمل في المكتب معظم الأيام. لكن النقل إلى الخارج يناسب المتخصصين من ذوي الخبرة مثل المصممين أو مهندسي البرمجيات الذين يمكنهم السفر بالطائرة إلى المقر مرة واحدة كل ثلاثة أشهر أو نحو ذلك.

إذا حدث هذا على نطاق واسع ستتقلص أسواق العمل في المدن الكبيرة. مع وجود عدد أقل من الموظفين من ذوي الأجور العالية الذين يعيشون محليا، ستنخفض أسعار المساكن. سينهار الطلب على النوادل والنجارين وجليسات الأطفال. في التجمعات الغنية مثل وادي السيليكون، يوفر العاملون من ذوي المهارات العالية نحو ثلاثة أضعاف الوظائف لعمال الخدمات مقارنة بعمال التصنيع، كما قال إنريكو موريتي، مؤلف كتاب “الجغرافيا الجديدة للوظائف”، الصادر في 2013. في غضون ذلك، يمكن أن تظهر تلك الوظائف الخدمية في أثينا وكلكتا.

كان أكبر الفائزين الاقتصاديين خلال الـ40 عاما الماضية هم السكان الأصليون ذوو المهارات العالية الذين يعيشون في المدن الكبيرة. وهم يخاطرون بأن يصبحوا أكبر الخاسرين في الحقبة التالية. بحسب الشعار الجديد المخيف: إذا كان بإمكانك القيام بعملك من أي مكان، فيمكن لأي شخص في أي مكان القيام بعملك. مر العاملون الأقل مهارة في الدول الغربية بهذا من قبل، عندما تم نقل الوظائف في المصانع ومراكز الاتصال والمكاتب الخلفية إلى الخارج. قد يكون مصممو الرسوم الباريسيون والمصرفيون في نيويورك على وشك اكتشاف تأثير ذلك فيهم.

فايننشال تايمز

صحيفة بريطانية دولية تتحدث عن الأعمال، يتم نشرها في لندن منذ تأسيسها في عام 1888 من قبل جيمس شيريدان وأخوه. هناك اتفاق خاص بين فايننشال تايمز وصحيفة الاقتصادية السعودية يتم بموجبها ترجمة لأهم مقالاتها يوميا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى