الرئيسيةريادة

وظائف صاعدة ومهن قد تندثر

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

تتغير سوق العمل على المستويين الدولي والمحلي بشكل سريع، بحيث باتت عملية اختيار مهنة أو وظيفة أمرا صعبا، في وقت يزداد صعوبة وتعقيدا في ظل جائحة كورونا، التي غيرت قواعد اللعبة في سوق وظائف المستقبل.
الأمر لا يقف عند حدود معرفة الإنسان لنفسه ومهاراته ونقاط قوته أو ضعفه، أو حتى أهدافه المستقبلية، بل أصبح مرتبطا بعوامل تتعلق بسوق العمل ذاتها والوظائف الصاعدة التي سيزداد الطلب عليها مستقبلا، والأخرى التي تنزوي وتتراجع، بل ربما تدخل غياهب النسيان.
فلا أحد يرغب – بالتأكيد – في أن يكرس الوقت والمال والمجهود ليظفر في النهاية بوظيفة مرهقة، بساعات عمل طويلة، والحد الأدنى من العائد. وعلى الرغم من أن جائحة كورونا أحدثت تغيرا نسبيا في سوق العمل، ودفعت بالخبراء إلى إعادة النظر مجددا في الوظائف التي سيزيد الطلب عليها مستقبلا، والأخرى التي ربما يقل الاحتياج إليها، فإن بعض الخبراء الآخرين يحذرون مما يصفونه بالخداع المؤقت، وأن الصورة ونتيجة الضغوط الناجمة عن الوباء تبدو وكأن سوق العمل ستكون في أمس الحاجة إلى وظائف محددة مستقبلا، بينما الحقيقية بخلاف ذلك.
على أي حال، ربما يكون هناك إجماع كبير بين الخبراء على أن الوظائف المتعلقة بصناعات التكنولوجيا والأعمال والرعاية الصحية سيبرز الطلب عليها بشكل كبير في العقدين المقبلين.
لكن هذا الإجماع ليس أكثر من اتفاق على العنوان الرئيس، بينما تتباين الآراء بشدة عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل الخاصة بأي الوظائف المستقبلية أكثر أهمية أو أكبرها عائدا. ويتفق الخبراء أيضا على أن كثيرا من الوظائف ذات الطبيعة المكتبية أو الإدارية ستتقلص وتتراجع، لكن أي منها سيكون على رأس القائمة، وأي منها في ذيلها، وهذا محل اختلاف وجدل.
بدوره، يقول لـ”الاقتصادية”، الدكتور بيتر سميث استشاري في منظمة العمل الدولية، “عندما نتحدث عن وظائف المستقبل، فإنه من الأفضل الحديث عن اتجاه عام، إذ ترتبط سوق العمل – في الأساس – بمدى درجة النمو الاقتصادي للمجتمع محل البحث، فسوق العمل الأمريكية – على سبيل المثال – ستختلف في مطالبها التوظيفية مقارنة بسوق العمل في بلغاريا أو قرغيزيا أو أفغانستان أو تشيلي، فبينما بعض الوظائف في السوق الأمريكية تندثر، سنجد أنها لا تزال تحظى بوضعية اجتماعية وعائد جيد في بلدان أخرى، وبينما ستزدهر بعض الوظائف في الاقتصاد الألماني، سيكون الطلب عليها محدودا للغاية في النيجر – مثلا”.
بينما، الدكتورة جورجا هيس أستاذة مادة العمل والتوظيف في جامعة جلاسكو، تتفق مع وجهة النظر تلك، لكنها ترى أن هناك وظائف ستظل ذات طابع عالمي، بفضل المعطيات التكنولوجية الحديثة، بغض النظر عن درجة تطور المجتمع اقتصاديا.
وتشير إلى إنه في غضون عشرة إلى 20 عاما المقبلة، ستتمتع الشركات بإمكانية الوصول إلى كم هائل من البيانات والأتمتة، وستصبح أجزاء من وظائف الأشخاص، مثل المحاسبين والمسؤولين الإداريين، قد عفا عليها الزمن، وسيكون هناك طلب على الكفاءات التي ستستخدم البيانات لتحليل المعلومات بهدف تحسين العمليات الإنتاجية وتيسير الاتصالات.
وتقول لـ”الاقتصادية”، “محللو أمن المعلومات ومطورو البرمجيات والإحصائيين، ومحللو البيانات المتنوعة، سيحتلون قائمة الوظائف المستقبلية خلال العقدين المقبلين، وسيكونون الأعلى في مجال الرواتب، وقد تتفاوت أهميتهم الوظيفية من مجتمع إلى آخر، لكن التطور التكنولوجي الراهن يجعلهم حاليا في مقدمة الوظائف المطلوبة، بما في ذلك في الاقتصادات الناشئة”.
يربط جزء كبير من الخبراء الطلب على تلك النوعية من الوظائف بطلب عام متزايد على الخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي، فلن تكفي معرفة كيفية البرمجة، إذ سيحل التعليم الآلي محل العمل الشاق للمبرمجين، ما يتطلب من مهندسي البرمجيات، إضافة التعليم الآلي إلى مجموعة مهاراتهم.
وفي هذا السياق، يعلق ستيفن هارفي الاستشاري في مجال الذكاء الاصطناعي، قائلا “في المستقبل ستكون هناك حاجة إلى وظائف أخرى، حيث تغير التكنولوجيا الصناعات. هذه الوظائف لا تنال بالضرورة دفعة كبيرة، بينما لا تزال التكنولوجيا حديثة العهد، لذا فهي ليست ملحوظة في إحصاءات النمو، فعلى سبيل المثال، الروبوتات والذكاء الاصطناعي، تقنيتان ستغيران الصناعات، وستكون وظائف التعامل معهما مطلوبة بشدة مستقبلا”.
ويعتقد البعض بأن هذا التطور التكنولوجي سيوجد معه عملية إنتاجية أكثر فاعلية من حيث التكلفة والتميز الإنتاجي، ما سيمكن الشركات من ضخ مزيد من الاستثمار في مجال التسويق والمبيعات، لكن عبر أساليب حديثة بحيث سيزيد الطلب على خبراء التسويق.
ولـ”الاقتصادية” يعلق إم. جي. ادزارد الباحث الاقتصادي في مجال التسويق، قائلا “سيكون لدى محللي التسويق مزيد من المعلومات المتاحة لهم لاتخاذ القرارات، ومن ثم سيتحول عملهم بعيدا عن إيجاد الأنماط إلى استخلاص الاستنتاجات، فإيجاد العملاء لشراء منتجك سيكون أكثر أهمية من أي وقت مضى مع تقدم التكنولوجيا”.
ويشير بعض الخبراء لـ”الاقتصادية” إلى أن الاهتمام الدولي ببعض القضايا الملحة، مثل التغيير البيئي والمناخ والطاقة المتجددة، سيوجد معها طلبا ذا طبيعة متخصصة على بعض أنواع الوظائف، فالاهتمام الدولي المتزايد – مثلا – بقضايا الطاقة المتجددة والمستدامة، أدى إلى ازدهار عالمي في سوق المهنيين المهرة في هذا المجال.
وبعض الدراسات أشار إلى أن الطلب على الطاقة الشمسية أدى إلى ازدهار شركات تركيب الخلايا الشمسية الكهروضوئية كمجال وظيفي مع أعلى نمو متوقع للعقد المقبل، بنسبة مذهلة بلغت 105.3 في المائة، وكذلك العاملين في مجال خدمات توربينات الرياح، ومن المتوقع أن تنمو تلك المهنة 96.1 في المائة خلال العقد المقبل.
في مقابل الطلب المستقبلي المتزايد على هذا النوع من خبرات العمل، يعتقد البعض بأن هناك قطاعات وظيفية ستواصل سوق العمل الدولية والمحلية طلبها المرتفع عليها، لكن ضمن هذا القطاع ستبرز مزيد من الوظائف المتخصصة والجديدة، التي ستزيد التطورات العامة في المجتمعات الحاجة إليها.
من جهته، يعتقد الخبير الطبي الدكتور ودود هاريسن، بأن الطلب على الأطباء والعاملين في القطاع الصحي سيتزايد مستقبلا، نتيجة تنامي الوعي الصحي عامة، ونتيجة جائحة كورنا تحديدا، إضافة إلى ارتفاع مستويات المعيشة، وعديد من العوامل الأخرى.
لكنه يعلق لـ”الاقتصادية”، قائلا “سنشهد تغيرا نسبيا فيما يتعلق بالثقل الوظيفي داخل القطاع ذاته، فالأطباء والممرضات التقليديون، لن يحصلوا فقط على وظائف جديدة، إنما سنشهد المعالجين الفيزيائيين ومساعدي المعالجين سيكونون على رأس قائمة الوظائف المتوقع أن تجد لها مكانا مرموقا حتى عام 2050، كما أن هناك طلبا ملحوظا على مسؤولي الرعاية الصحية الذين يتعاملون مع الخدمات اللوجستية والتأمين والتخطيط، وكذلك قطاع التمريض القادر على التعامل مع احتياجات كبار السن، وذلك نظرا إلى تحسن مستوى الرعاية الصحية وزيادة عمر الإنسان”.
ويضيف “قطاع الطب النفسي سيشهد طفرة حقيقية في الأعوام المقبلة، سواء نتيجة الضغوط المعيشية المتصاعدة وما توجده من ضغوط نفسية، أو بسبب زيادة الوعي العام بأهمية الطب النفسي”.
لكن الصورة لا تبدو وردية للجميع، فقد أشارت ورقة بحثية صدرت في أيار (مايو) الماضي من قبل معهد بيكر فريدمان في جامعة شيكاغو، إلى أن 42 في المائة من حالات التسريح بسبب الوباء ستكون دائمة، وأن التغيرات المجتمعية والاقتصادية، سواء بسبب الوباء أو بسبب التطور العام للمجتمع، ستؤدي إلى تقلص الطلب على بعض أنواع الوظائف التي ستفقد أهميتها الإنتاجية مستقبلا مقارنة بوضعها الراهن أو الماضي.
وتشير الدراسة إلى أن التكنولوجيا التي تجعل بعض الوظائف أسهل، قد تعني أنه لن يكون لبعض الوظائف حاجة، فمثلا وظيفة “مشغل مصعد” كانت من بين 270 وظيفة مدرجة في تعداد الولايات المتحدة عام 1950، الآن انقرض هذا المسمى الوظيفي، ويعد هذا مثالا واضحا لمهنة كاملة تم القضاء عليها بواسطة الأتمتة التي اجتاحت العالم في الأعوام الـ50 الماضية، التي يتوقع أن تكون أكثر عنفا وأقل رحمة في الأعوام الـ50 المقبلة.
جيفي لين الخبير الاقتصادي، يتوقع أن تختفي وظيفة سائقي سيارات الأجرة وأمناء المكتبات بحلول منتصف القرن أو تتقلص إلى حد يقارب الاختفاء.
وستؤدي الأتمتة، وفقا لما يقول جيفي لين، إلى اختفاء 1.5 مليون وظيفة في قطاع التصنيع الأمريكي بمفرده، وبصفة عامة يعتقد أن عديدا من الأعمال التي تتطلب مهارات منخفضة ومستويات تعليم محدودة، ستتلاشى على الأمد الطويل، لأنها الأكثر عرضة للأتمتة، لكن يتوقع أيضا أن يتراجع الطلب في الأمد الطويل على بعض الوظائف التي تتطلب حاليا مهارات تعليمية عالية، مثل الطيارين.
ويؤكد لـ”الاقتصادية”، أن أغلب الوظائف التي ستتراجع مستقبلا ستكون ذات طبيعة مكتبية ومحاسبية، مثل عديد من الوظائف الروتينية التقليدية في البنوك والمتاجر، المتعلقة بخدمة العملاء وكذلك البائعين، والشؤون الإدارية، بل إن بعض الوظائف مثل الطيارين، ونتيجة المنافسة مع الروبوتات التي ستكون مستقبلا قادرة على الإقلاع والهبوط بالطائرة، ربما يخرجون أيضا من الخدمة.
ويشير إلى أن بعض الوظائف التي بدت لأعوام وظائف مهمة لارتباطها بالبدايات الأولى للحاسوب، مثل مدخلي البيانات، ستتراجع نظرا إلى بدائيتها مع التطورات الحديثة للحاسوب وارتفاع مستوى التعليم.

المصدر
الاقتصادية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى