هاشتاق عربي – وصفي الصفدي
يشهد القرن الواحد والعشرين تسارعا غير مسبوق في التطور والتقدم التكنولوجي، والذي ساهمت جائحة كورونا في إحداث دفعة فيه منذ بداية 2020، لتجعل الجميع يعمل بطرق غير مألوفة لمواكبة التغيير في الطلب، والاسراع في تقديم الخدمات الالكترونية وخاصة التسوق الدفع النقدي.
ما شهدناه منذ بداية كورونا، ربما كان يحتاج إلى نحو سنوات خمس من عمل الشركات والمطورين، لنصل إلى ما وصلنا إليه خلال أقل من 12 شهرا.
رغم كل هذا التسارع والتطور الذي نشهده، لا بد من إعادة التفكير في طريقة وأسلوب حياتنا وما تحتاجه المراحل القادمة من تكيف مع الحاضر واستشراف المستقبل.
هنا لا نقف على نقطة أو ركيزة واحدة من ركائز التحول الرقمي، ولكن لنستدرك المهارات الرقمية المطلوبة والآثار الجانبية على جميع القطاعات التي تتطلب إعادة التفكير في عدة محاور رئيسية لمحو الفجوة الرقمية وخاصة مع ما يحتاجه المستقبل من مهارات رقمية للتكيف مع النمط المعيشي، العملي، التعليمي، أمن المعلومات والبيانات الشخصية، العملات الرقمية، التسوق الإلكتروني، الصحة الرقمية، الذكاء الاصطناعي، الروبوتات الآلية، الصناعة والطاقة الرقمية، الزراعة الرقمية، الأمن الغذائي، الهوية الرقمية، السيارات الذكية والطائرة ذاتية القيادة، وانترنت الأشياء وغيرها الكثير من الخدمات الرقمية التي يتم تطويرها يوميا.
ما شهدناه منذ بداية كورونا، ربما كان يحتاج إلى نحو سنوات خمس من العمل، لنصل إلى ما وصلنا إليه خلال أقل من 12 شهرا
لم تعد تقتصر الفجوة الرقمية على موضوع أو قطاع محدد، فالدول المتقدمة سخرت التقدم التكنولوجي في جميع القطاعات الصناعية، الاقتصادية، الصحية، التعليمية، والحياتية مقارنة مع دول أخرى لا تزال تعاني من توفير اساسيات الخدمات.
الفجوة الرقمية واحدة من أبرز التحديات التي تتطلب شراكة واستراتيجية فعالة بين القطاع العام والخاص وخاصة أن هناك ما يقارب 3 مليار شخص، 48 في المئة من سكان الأرض لا يوجد لديهم نفاذ للخدمات الإلكترونية، ناهيك عن الفجوة الرقمية الجندرية التي تحرم ما يقارب 20 في المئة من نساء العالم من حق استخدام الإنترنت والخدمات الرقمية باستخدام الهاتف الخلوي وفق تقارير البنك الدولي.
ما نعاني منه اليوم من وجود مثل هذه الفجوة الرقمية، هو عدم تبني منظومة ورؤية شمولية للمستقبل، وهذا يتطلب تغيير جوهري في عدة محاور رئيسية بداية من المنظومة التعليمية وصولا لمتطلبات سوق العمل والحياة الذكية لما سنشهده من تحول في المستقبل القريب في اعتماد أكبر على الأنظمة الذكية بما فيها المدن والشوارع والبنايات الذكية التي ستغير أسلوب حياتنا بطريقة جذرية.
علوم الحاسوب ليست مقصورة على فئة محددة من الناس، فالمهارات التقنية والتكنولوجية اصبحت مطلبا أساسيا وضروريا للحياة الرقمية ولذلك يجب على جميع القطاعات العمل على تحديد احتياجات العصر من هذه المهارات الرقمية وخاصة أن مخرجات التعليم لا تتفق مع سوق العمل وهذا ما تم طرحه والحديث عنه مؤخرا سواء من قبل رؤساء دول عظمى أو شركات عملاقة بدأت تنافس الجامعات بتبني شهادات اختصاص تقنية تضمن الحصول على وظيفة بسهولة ويسر كون متطلبات سوق العمل تتطلب مهارة أكثر من شهادة علمية.
وعند التمعن باحتياجات الأسواق العالمية من العمالة الماهرة وتأثير التطور التكنولوجي على سوق العمل، فإننا نرى أن هناك ما مجموعه 85 مليون وظيفة سيتم الاستغناء عنها واستبدالها بخدمات رقمية ولكن هذا التطور سيخلق 97 مليون فرصة عمل بديلة لغاية 2025 بزيادة 12 مليون وظيفة جديدة عن الوضع الحالي وذلك حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي.
أيضا سيشكل حجم ما تقوم به الآلات عام 2025 حوالي 47 في المئة من الأعمال مقارنة بـ33 في المئة حاليا ويقدر التقرير أن ما نسبته 50 في المئة من العمالة بحاجة إلى إعادة صقل مهارات ما يقدر بما نسبته 40 في المئة من مهارات العمالة الأساسية الحالية بحاجة إلى تطوير مهاراتهم خلال السنوات الخمس القادمة.
عند قراءة كل تلك المعطيات والمتغيرات التي طرأت على الساحة وفرضت نفسها بقوة خلال الجائحة، ندرك تمام أننا بحاحة إلى إعادة التفكير بطريقة غير نمطية للتكيف مع الأوضاع في الحاضر والمستقبل وهنا لا بد من تطوير عملية ومنهاج التعليم من المرحلة الأساسية لغاية الجامعة والتحول من التعليم النمطي التلقيني لبناء مهارات وقدرات وكفاءات بشرية على مستوى عالي من المعرفة الرقمية والمهارات اللينة يتناسب مع ما يحتاجه سوق العمل العالمي.
وهذا الأمر يتطلب تحول جذري في المستويات التعليمية وخاصة خلال مراحل التأسيس لبناء طاقات رقمية مميزة وتحويل المرحلة الجامعية من مرحلة دراسية بحتة، إلى منظومة تعليمية، تدريبية، تطويرية، وتنمية بشرية تساهم في تخريج ورفد الأسواق المحلية والدولية بأشخاص مدربين، محترفين وأصحاب اختصاص تقني ومهني جاهزين للاندماج والانخراط المباشر بأسواق العمل.
وخلاصة القول، إذا ما أردنا إعادة بناء وتطوير القدرات لسد الفجوات الرقمية، فعلينا التركيز على عدة تحديات من أجل تخفيف حدة الفجوة فيها، والتي تضم:
- الفجوة التعليمية: التركيز على بناء المهارات وصقلها، تطوير العلوم والمعرفة، والتطبيق العملي الرقمي.
- فجوة البنية التحتية: إيصال خدمات الاتصالات والانترنت لكل بيت، مؤسسة، مدرسة، جامعة، او دائرة. حق النفاذ والحصول على المعلومة، تزويد الأجهزة اللازمة وحق التمكين لاستخدام التكنولوجي.
- فجوة التشريعات والقوانين الناظمة لحقوق الافراد والمؤسسات وحماية البيانات وتفعيل وحماية الهوية الرقمية والأمن السيبراني.
- فجوة الفقر: التي تعتبر واحدة من أكبر المعيقات التي تؤثر على التطور والتقدم التكنولوجي وتحرم الكثير من الشعوب من حق الحصول على المعلومة والنفاذ واستخدام الإنترنت.
- فجوة التطور الشمولي لجميع القطاعات: وآلية الاعتماد والتعاون بين اصحاب الاختصاص لتطوير مفهوم رقمي علمي مبني على معلومات وبيانات موثوقة من اصحاب الخبرة والاختصاص كل في مجاله.