هاشتاق عربي – كريستالينا غورغييفا
يعمل صندوق النقد الدولي بكل جهوده لمعاونة الدول الأعضاء لدعم سياساتها الاقتصادية ومشاريعها التنموية، ويجب أن تكون كل سياسات الصندوق لمصلحة الناس، وتلك هي الحتمية المهمة والأولوية المطلوبة. فحتى نجني الثمار الكاملة للسياسة الاقتصادية السليمة، يجب أن نستثمر أكثر في البشر. ويعني هذا حماية الفئات الضعيفة، كما يعني أيضا تعزيز رأس المال البشري والمادي ليكونا مرتكزا للنمو والصلابة.
وقد أكدت جائحة كوفيد – 19 أهمية النظم الصحية القوية. ويتطلب تزايد عدم المساواة والتغير التكنولوجي السريع نظما قوية للتعليم والتدريب لزيادة الفرص والحد من التفاوتات.
والتعجيل بتحقيق المساواة بين الجنسين يمكن أن يحدث تغييرا جذريا في قواعد اللعبة العالمية. فبالنسبة للدول الأكثر اتساما بعدم المساواة، يمكن أن يؤدي سد الفجوة بين الجنسين إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي بمتوسط يبلغ 35 في المائة.
وإن الاستثمار في شبابنا هو استثمار في مستقبلنا. وهم يحتاجون إلى الحصول على الرعاية الصحية والتعليم، وكذلك خدمات الإنترنت لأن تلك الخدمات بالذات هي بوابتهم للنفاذ إلى الاقتصاد الرقمي، وهو أمر بالغ الأهمية للنمو والتنمية في المستقبل.
ومن شأن التوسع في إتاحة خدمات الإنترنت في إفريقيا جنوب الصحراء لنسبة 10 في المائة إضافية من السكان أن يحقق زيادة في نمو نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بما يصل إلى أربع نقاط مئوية. والرقمنة تساعد أيضا على تحقيق الإدماج المالي كأداة قوية للمساهمة في التغلب على الفقر. ومثلما أظهرت الجائحة بالفعل أنه لم يعد بوسعنا إغفال الإجراءات الوقائية الصحية، فإنه لم يعد بوسعنا أيضا إغفال تغير المناخ، وتلك هي الحتمية الثالثة في رأيي.
إننا نركز على تغير المناخ لأنه عامل مؤثر في الاقتصاد الكلي، بما يشكله من تهديدات عميقة للنمو والرخاء. وهو أيضا عامل مؤثر في الأفراد، ومؤثر في كوكب الأرض.
ففي العقد الأخير، أسفرت الكوارث المتعلقة بالمناخ عن أضرار مباشرة تعادل قيمتها الكلية نحو 1,3 تريليون دولار. وإذا كانت الأزمة الصحية لا تروق لنا، فلن تروق لنا الأزمة المناخية مثقال ذرة. وتشير أبحاث الصندوق إلى أن المزيج الصحيح من الاستثمارات الخضراء وأسعار الكربون الأعلى يمكن أن يقودنا نحو مستوى انبعاثات صفري بحلول عام 2050 ويساعد على توفير ملايين الوظائف الجديدة.
إن أمامنا فرصة تاريخية ليس فقط لبناء عالم أكثر خضرة، بل أكثر رخاء وغنى بالوظائف أيضا. وفي ظل انخفاض أسعار الفائدة، يمكن للاستثمارات الصحيحة اليوم أن تجني عائدا قدره أربعة أضعاف غدا: تجنب خسائر المستقبل، وتحفيز المكاسب الاقتصادية، وحماية الأرواح، وتعميم المنافع الاجتماعية والبيئية على الجميع.
وحول دور الصندوق، فإننا نعمل بلا كلل لدعم تحقيق تعاف دائم، وكذلك مستقبل يقوم على ركيزة صلبة، بينما تتكيف الدول مع التحولات الهيكلية التي جاء بها تغير المناخ والتسارع الرقمي وبزوغ اقتصاد المعرفة. ومنذ بدء الجائحة، تعهدنا بأكثر من 100 مليار دولار، ولا يزال لدينا قدر كبير من الموارد ضمن طاقتنا الإقراضية البالغة تريليون دولار.
وسنواصل إيلاء اهتمام خاص للاحتياجات العاجلة لدى الأسواق الصاعدة والدول منخفضة الدخل خاصة الدول الصغيرة والهشة، لمساعدتها على دفع مقابل خدمات الأطباء وأطقم التمريض وحماية أضعف الفئات السكانية وأضعف الأجزاء في اقتصاداتها.
ولم يتسن لنا القيام بهذا التحرك غير المسبوق إلا بفضل الدعم السخي من دولنا الأعضاء. وتؤدي مضاعفة موارد الاتفاقات الجديدة للاقتراض، وتنفيذ جولة جديدة من اتفاقات الاقتراض الثنائية إلى الحفاظ على هذه الذخيرة المالية. وقد بادرت دولنا الأعضاء بتقديم مساهمات ضرورية أيضا لتمويل الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون والصندوق الاستئماني للنمو والحد من الفقر.
وبفضل هذه المساهمات، تمكنا من دعم دولنا الأعضاء منخفضة الدخل عن طريق تخفيف أعباء الديون، وزيادة الإقراض الميسر بمقدار ثلاثة أضعاف. ونتواصل حاليا مع الدول الأعضاء لإعطاء دفعة أخرى لطاقة الإقراض الميسر، وتطويع أدواتنا المستخدمة في الإقراض، وزيادة الدعم الموجه لتنمية القدرات.
وأخيرا وحول اقتناص اللحظة، إن أفضل نصب تذكاري يمكن أن نشيده لمن لقوا حتفهم في هذه الأزمة موجود في كلمات كينز عن ذلك الشيء الأكبر، ألا وهو بناء عالم أكثر استدامة وإنصافا.