الرئيسيةمقالات

الهوية الرقمية

هاشتاق عربي- وصفي الصفدي
الهوية الرقمية اصبحت جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية وخاصة مع وجود العالم الافتراضي وخدمات الإنترنت، وانترنت الاشياء، وتطور الهواتف الذكية وشبكات الاتصال المتطورة التي ساهمت بزيادة مستخدمي الإنترنت على مدى السنوات السابقة والقادمة.
عملية الهوية الرقمية، بدأت عندما طالبت وزارة الداخلية وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات توثيق خطوط الهواتف الخلوية المدفوعة مسبقا في المملكة قبل عدة سنوات سابقة، وتبع ذلك أطلاق الهوية الذكية وبعده أطلاق برنامج سند من قبل وزارة الاقتصاد الرقمي وريادة الاعمال الذي يطلب تفعيل خوية رقمية للمواطنين.
كل ذلك عبارة عن عمليات تمهيدية لإطلاق مفهوم الهوية الرقمية التي تعتبر المنفذ الوحيد للخدمات الإلكترونية التي تطرحها الحكومات والدولة أو التي تطلقها الشركات لتمكين المواطن أو العميل للوصول إلى الخدمات التي تقدمها تلك الجهات.
أعرف أن الكثير يعتقد أنه عندما يمتلك حساب على مواقع التواصل الاجتماعي أو أي خدمات الكترونية، أنه يمتلك هوية رقمية، صحيح ولكن هذه الهوية تختبئ خلف قناع رقمي مثل أسم زائف أو مستعار، وصورة غير حقيقية وغير موثقة قانونيا وبالتالي لا تصلح أن تكون هوية رقمية لمتابعة إجراء معاملة مع أي مزود للخدمة ما لم يحصل على توثيق رقمي صادر من جهة معترف بها داخل الدولة مثل وزارة الداخلية، و وزارة الاقتصاد الرقمي وريادة الاعمال، و دائرة الأحوال المدنية والجوازات والتي تتملك كافة تفاصيل ومعلومات المواطنين كونها الجهة التي يصدر عنها كافة الوثائق المدنية للأحوال الشخصية من شهادة ميلاد، هوية شخصية، جواز سفر، دفتر العائلة، شهادة زواج، و شهادة وفاة.
لذلك فعند الحديث عن المواطنة والهوية الرقمية لا بد من تفعيل أنظمة التثقيف لدى جميع الجهات المعنية، كما يجب تبني التعليم وبناء مفاهيم المواطنة والهوية الرقمية في المدارس والجامعات والشركات والمؤسسات على أكمل وجه لتوعية الأجيال الحالية والناشئة وتهيئتهم للمستقبل الرقمي مع ما نشهد من تطور وتحول نحو العوالم الرقمية وسماء الانترنت والعالم الافتراضي الذي يفرض واقعه علينا كل يوم آخذين بعين الاعتبار ان التنشئة الصحيحة وزيادة وعي المواطن لمفهوم المواطن والهوية الرقمية يعزز الانتماء والحس الوطني ويلتزم بالسلوك الأمثل ويساهم في تخفيف الآثار السلبية على المجتمع وذلك من خلال حماية نفسه وخصوصيته، الالتزام بالضوابط والقوانين واحترام الآخرين وحرياتهم.
ايضا، لا بد من التطرق لموضوع الصحة والسلامة الرقمية لما لها من تأثير على الصحة النفسية والبدنية والذي أدى إلى ظهور علم الارجونوميكس الذي يحتوي على تعليمات ومعايير الاستخدام الآمن والصحي والسليم والصحيح للتكنولوجيا وخاصة لما لاستخدام التكنولوجيا من آثار واضرار على صحة العيون، السمع، العقل، الإجهاد النفسي والبدني، الادمان على التكنولوجيا، امراض الديسك، وغيرها من الامراض التي تصيب جهازنا العصبي والعضلي.
يجدر الاشارة الى ان التربية الرقمية تستمد مبادئها وقيمها من واقع عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية، قيمنا واخلاقنا، وحتى ما حثّت عليه الديانات من الصدق والأمانة واحترام الغير واحترام آرائهم والتعبير بأسلوب حضاري وعدم التطاول والتنمر على الغير رغم الاختلافات العرقية أو الدينية، وحماية انفسنا من المنشورات الكذابة وغير الهادفة والتي تسيء لنا أو تسيء للغير على جميع الأصعدة.
عندما تتبنى الدولة التحول الرقمي، يجب عليها أدراج التعليم الرقمي ومحو الامية الرقمية أهمية عالية للحفاظ على السلوكيات الاجتماعية والأمن والأمان وحماية الخصوصية وحقوق المواطن وحفظ الحق الدستوري له وذلك بسن القوانين والضوابط للسلوكيات والاخلاقيات الرقمية وتحديد المسؤوليات وتعريف للجرائم الإلكترونية وكيفية حماية أنفسنا في مثل هذا الفضاء الشاسع من عمليات الاحتيال، وانتحال الشخصية على مواقع الانترنت، القرصنة، حقوق الملكية الفكرية والنشر حتى تصبح المواطنة الرقمية تمتاز بالسلوك المسئول لاستخدام التكنولوجيا وحق الحصول على الخدمات الإلكترونية تحت طائلة المسائلة القانونية ضمن منظومة الأعراف والقيم الرقمية التي تم ذكرها سابقا.
التركيز على المواطنة والتعليم والثقافة الرقمية يساهم في انشاء اجيال قادرة على الابداع و الابتكار، إثراء المحتوى على شبكات التواصل الإجتماعي والإنترنت من خلال منشورات ومداخلات هادفة معتمدة على مبادئ وتعاليم وقيم وأخلاق رقمية تساهم بمساعدة الآخرين وتخدم على سبيل الأشخاص والشركات لتحسين نوعية الخدمات المقدمة، منتجاتهم، جودة التعامل مع الزبائن من خلال التغذية الراجعة والملاحظات الهادفة لتعزيز النوعية والجودة لما ينشر على الإنترنت.
من أساسيات التحول الرقمي وكما كفل الدستور، هي المساواة بالحقوق بين جميع اطياف المجتمع وبالعالم الرقمي هذه المساواة تعني حقوق المواطن الدستورية بالإضافة إلى حماية الخصوصية والولوج الى شبكة الإنترنت وهذا يعني أن على الدولة أن تقوم بإيجاد البنى التحتّية القادرة على خدمة مواطنيها.
بناءً على ما سبق، فعملية الهوية الرقمية هي ضرورة ملحة في عصرنا هذا للنفاذ من خلال البوابات الإلكترونية للخدمات التي تقوم الدولة أو مؤسسات المجتمع أو الشركات بإنشائها لمواطنيها أو عملائها، والهوية الرقمية هنا هي توحيد أسماء المستخدمين التي يمتلكها الأشخاص اليوم تحت هوية واحدة لاستخدام الخدمات الإلكترونية مثل المحافظ المالية والتي قطعت شوط ممتاز في هذا المجال ويمكن البناء على خبرتهم في هذا المجال لتسريع عملية انشاء الهوية الرقمية، التعليم الالكتروني وعن بعد، خدمات دائرة الاحوال المدنية والجوازات ، خدمات الضمان الاجتماعي، الخدمات البريدية، التجارة الالكترونية، خدمات امانة عمان، الخدمات المصرفية عبر الانترنت، خدمات ادارة السير والترخيص، الدفع الالكتروني، وخدمات ضريبة الدخل، وغيرها الكثير من الخدمات الالكترونية وصولا للانتخاب الإلكتروني.
نتيجة لكل ما ذكر لا يجب ان نغفل عن موضوع الامن السيبراني لحماية البيانات وخصوصية المستخدمين وكلما توسعنا في التحول الرقمي تصبح عملية الحماية الشخصية والخصوصية واحدة من اهم الأولويات التي على الدول ان تسعى لها لضمان سير العمل وخاصة أن المرحلة الحالية تشهد الكثير من عمليات القرصنة والابتزاز الرقمي مما يستوجب التشديد على حماية البيانات ووجود قوانين رادعة للجرائم الإلكترونية وانتهاك الخصوصية والتطاول والتنمر على الآخرين والحماية الفكرية وغيرها من الممارسات غير الأخلاقية والخارجة عن الأطر القانونية للمواطنة الرقمية.
كل ما سبق يستوجب إصدار هوية رقمية واحدة تعطي للمواطن حقوقه للوصول إلى جميع خدمات الدولة ومؤسساتها من خلال تعريف رقمي قانوني يضمن المساواة بالتعامل، حماية الخصوصية، وحماية البيانات والأمن الإلكتروني كما يمكن تطبيق مستوى أفضل من الحماية للمستخدمين وخاصة الأطفال عند استخدام الإنترنت.
الجدير بالذكر أن الكثير من الدول تبنت موضوع الهوية الرقمية وبدأت هذه الدول في إدخال مساقات وبرامج التعليم الرقمي للآباء والمدرسين والطلاب وكان منها بريطانيا، أمريكا، أستراليا، وغيرها من الدول الاوروبية، كما تبنت الإمارات العربية المتحدة الهوية الرقمية عندما قامت بإطلاق UAEPass وسهلت عملية إصدار هوية رقمية من خلال شركات مثل SmartPass، DUBAIid وطلبت من جميع مقدمي الخدمات الالكترونية وشركات الاتصالات باعتماد الهوية الرقمية للمعاملات الإلكترونية وتم نشر الاعلان عن اعتماد الهوية الرقمية في دبي في صحيفة البيان بتاريخ ٢٠٢٠/٤/٣٠ مشددة على الاثار الإيجابية لها لتسهيل وتمكين الموطنين والمقيمين من الوصول للخدمات الحكومية الاتحادية والمحلية وخدمات القطاع الخاص.
وبنهاية هذا المقال، أود الإشارة إلى جهود الأمم المتحدة والدول الأعضاء لتبني هدف التنمية المستدامة – المقصد 16-9 لتوفير هوية قانونية للجميع بحلول عام 2030 وذلك بناء على افتقار بعض الدول لمفهوم الوثائق القانونية وحيث انه يوجد ما يقارب 1 مليار شخص في افريقيا لوحدها لا يحملون أي وثيقة قانونية عدا عن ضعف الوثائق المحمولة من قبل ما يقارب 3.4 مليار شخص حسب تقرير معهد ماكينزي العالمي الذي لا يمكنهم إلا من استخدام محدود في العالم الرقمي.
أيضا يقوم الاتحاد الدولي للاتصالات ITU بدور فعال لتبني مفهوم المواطنة والهوية الرقمية لما تستدعيه الحاجة والاولويات اليوم للوصول والنفاذ الى العالم الرقمي من خلال العديد من المبادرات والبرامج والتشريعات والتعليمات والتنظيمات وورش عمل حول الهوية الرقمية والتحول الرقمي وأمن المعلومات والاستخدام الأمن للإنترنت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى