هاشتاق عربي
كارل بيلدت*
ستوكهولم – كيف ستنتهي أزمة “كوفيد 19” العارمة؟ أنا لا أعرف، كما لا يمكن لأي شخص الإجابة عن هذا السؤال. لذلك، ربما يكون من الأفضل التفكير في سبب وكيفية اندلاعها. من خلال معالجة هذه المشكلة، قد نستطيع تحسين فرصنا لتجنب تفشي وباء آخر في المستقبل.
لا تُعتبر الأزمة الحالية الأولى من نوعها. في أوائل عام 2003، انتشر فيروس تاجي آخر (سارس كوف 1) فجأة من جنوب الصين إلى جنوب شرق آسيا، ولحسن الحظ، تم احتواؤه إقليميًا في نهاية المطاف. علمنا في وقت لاحق أن السارس (المرض التنفسي الحاد والخطير) كان منتشرًا في جنوب الصين منذ فترة، وأن المسؤولين الصينيين كانوا مترددين في الاعتراف بوجوده وقرروا عدم إصدار تحذير بشأن هذا المرض، ناهيك عن اتخاذ التدابير المناسبة للحد من انتشاره. لم يتم إطلاق ناقوس الخطر إلا بعد انتقال الوباء إلى هونغ كونغ، التي تُعد مركزا ماليا عالميا رئيسيا.
ومع ذلك، سرعان ما أعقب ذلك عمل دولي مُنسق. خُفضت عدد الرحلات الجوية في المنطقة بشكل حاد، وتم إغلاق العديد من المناطق. في ذلك الوقت، انتقد قادة منظمة الصحة العالمية الصين لاستجابتها البطيئة في مكافحة الوباء، وتمت إقالة وزير الصحة الصيني من منصبه. وبحلول أوائل تموز (يوليو) من ذلك العام، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن انتهاء الأزمة، وسحبت توصياتها المتبقية بشأن التدابير التقييدية، وعاد العالم إلى طبيعته.
لكن لماذا فشلنا فشلاً ذريعًا في التصدي لأزمة العام 2020 بعد نجاحنا في الخروج من أزمة العام 2003؟ أي إجابة على هذا السؤال ستكون مؤقتة، لأننا ما زلنا لا نعرف سوى معلومات ضئيلة عن الفيروس التاجي الجديد أو الأشهر الأولى من تفشي المرض. ومع ذلك، أرى أن هناك أربعة عوامل قد تساعد في تفسير الفرق بين الأزمة الحالية والأزمة السابقة.
أولا، استغرقت السلطات الصينية بعض الوقت لإدراك حقيقة انتشار الفيروس، وإصدار تحذير، والبدء في اتخاذ إجراءات حاسمة. على حد علمنا، ظهر الفيروس التاجي الجديد لأول مرة في الصين في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، وتم تأكيد انتشاره في مدينة ووهان الصينية بحلول منتصف كانون الأول (ديسمبر) (كانت التقارير ذات الصلة قد بدأت بالفعل في الانتشار في تايوان). وأخيرا، في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2019، حذرت الصين منظمة الصحة العالمية من احتمال تفشي المرض.
في الأسابيع القليلة الأولى، حاولت السلطات المحلية في مدينة ووهان إخفاء تفشي المرض، بما في ذلك عن طريق حجب المعلومات عن الحكومة المركزية في بكين. قد لا نعرف أبدا كم من الوقت قام المسؤولون في ووهان بإخفاء حقيقة تفشي الفيروس. لكننا نعلم أنه بعد إبلاغ منظمة الصحة العالمية لأول مرة، انتظرت السلطات الصينية ثلاثة أسابيع أخرى لإغلاق مقاطعة هوبي. بحلول ذلك الوقت، غادر العديد من المُقيمين المدينة لقضاء عطلة رأس السنة الصينية الجديدة، ونشروا الفيروس التاجي الجديد “سارس كوف 2” في أجزاء أخرى من البلاد (وفي هذه الأثناء، سمحت ووهان بمواصلة الاحتفالات في الشوارع).
العامل الثاني الذي يجعل هذه الأزمة مختلفة عن أزمة العام 2003 هو أن الفيروس التاجي الجديد يبدو أكثر عدوى من مرض السارس. وقد أدى ذلك إلى تضخيم عواقب تباطؤ الاستجابة الصينية. خلال الأسابيع 5-7 الأولى، وفي الأسابيع التي أعقبت تحذير منظمة الصحة العالمية، كانت البلدان الأخرى غير قادرة على اتخاذ أي إجراء في ذلك الوقت، ولذلك تمكن وباء كوفيد 19 من الانتشار بشكل أبعد وأوسع من مرض السارس، وبالتالي كانت النتائج أشد فتكًا.
العامل الثالث ذو الصلة هو أن العالم ما بين عامي 2019 و 2020 أصبح أكثر ترابطا مما كان عليه في 2002-2003. تُعرف ووهان، المدينة الداخلية التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، أحيانًا باسم شيكاغو الصينية، وذلك لاندماجها على نطاق واسع في سلاسل التوريد العالمية. على مدى العقود القليلة الماضية، أصبحت المدينة مركزًا رئيسيا. قبل إغلاق المدينة بسبب تفشي الوباء، كانت هناك ست رحلات أسبوعية من مدينة ووهان إلى باريس (بالإضافة إلى خمس رحلات إلى روما وثلاث إلى لندن)، بالإضافة إلى رحلات متكررة متواصلة إلى سان فرانسيسكو ونيويورك. ما حدث في ووهان لم يقتصر على ووهان.
العامل الأخير الذي لا يمكن تجاهله هو البعد الجيوسياسي. لقد دخل العالم في حالة من المواجهة والفوضى لبعض الوقت قبل اندلاع أزمة وباء كوفيد 19. في العام 2003، كان من الطبيعي أن يعمل المجتمع الدولي بشكل موحد وسريع لتنسيق استجابة مشتركة. ولكن في العام 2020، لم يكن هذا السيناريو مطروحا للنقاش. حتى بعد انتشار الفيروس في جميع أنحاء العالم، ظلت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حالة إنكار. واليوم، لم تتخذ البلاد أي خطوة نحو توفير القيادة العالمية.
لقد أصبح تنازل أميركا التاريخي عن دورها التقليدي أكثر تعقيداً، مما أدى إلى تعطيل معظم أدوات التعاون العالمي الأساسية. على الرغم من أن إعلان منظمة الصحة العالمية عن تصنيف فيروس كورونا جائحة عالمية في 11 آذار (مارس) قد جاء على الأرجح في وقت متأخر، إلا أن الاستجابة المترددة وغير المنضبطة للولايات المتحدة والدول الرئيسية الأخرى في مكافحة الوباء جعلت الأمور أسوأ بشكل واضح.
إن استنتاجي الأولي هو أن هذه العوامل الأربعة تُفسر معا سبب كون هذه الجائحة أكثر حدة من وباء السارس. لقد تسبب الفيروس التاجي الجديد في أزمة عالمية كبرى لم نر مثلها في العصر الحديث. ينبغي التفكير فيما يعنيه ذلك للحكم العالمي.
مرة أخرى، لا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الأزمة. ولكن من خلال فهم كيف بدأت، قد نكون قادرين على منع الأزمة القادمة أو على الأقل تخفيفها.
*بيلدت هو رئيس وزراء سابق ووزير خارجية السويد.
نشر في ” الغد” ….. حقوق النشر خاص بـ _ بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”