الرئيسيةمقالات

الأردن.. سياسات ما بعد الكورونا

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

الغد – عمر أشرف الكردي

وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الاسبق

لقد عملت أركان الدولة الأردنية قيادة وأجهزة أمنية وحكومة وشعباً خلال هذه الجائحة بشكل متكامل متواصل لدرء خطر محدق بالعالم. وقد قالها جلالة الملك عبدالله الثاني – أذا لم يعمل العالم أجمع لمحاربة هذا الوباء، فالجهود الفردية للدول لن تكون كافية.

ولكن هذه الجائحة التي عصفت بالعالم أن دلت على شيء فقد دلت على أنه من الواجب أن تقوم الدولة بالأعتماد على نفسها أولاً ولمدة طويلة، قبل أن يستطيع أحد من الدول الشقيقة والصديقة بمد يد العون والمساعدة لها، وأن تقوم بأنتاج حاجياتها الأساسية على الأقل وتصدير الباقي. فالدولة يجب أن يكون لها ما تعطي بقدر ما تحتاج لأخذه، وألا فأن الميزان التجاري لن يكون في صالحها، ويتبع ذلك ما يتبع من أختلالات مالية ونقدية وأقتصادية وسياسية.

وبالتالي، فأن من أهم الدروس والعبر التي في رأي يجب أن نستخلصها تتمثل بالعمل كفريق واحد وذي قيادة واحدة ولهدف واحد، ألا وهو المصلحة العامة للأردن أولاً وللأصدقاء ثانياً، وأن تكون رفعة الوطن والمواطن هي الهدف، من خلال التطوير والتحديث الشامل للسياسات والقوانين والأجراءات التي تؤدي الى عودة الأردن سباقاً في ميادين شتى زراعية وأقتصادية وصحية وتعليمية ومعلوماتية وغيرها الكثير.

فالأمن الغذائي من خلال تطوير وتحديث الزراعة النباتية والحيوانية يعطي الأردن قوة في أتخاذ قراراته الداخلية والخارجية. وذلك يتأتى من خلال زيادة الرقعة الزراعية وتنويع المنتوجات بأستخدام التقنيات الحديثةالتي تزيد الأنتاج وتقلل أستهلاك المياة والفاقد منه بأضعاف. كذلك، فيجب زيادة الأهتمام بشكل كبير بالثروة الحيوانية البرية والمائية وتنويع هذا الأنتاج وصولاً لأكتفاء ذاتي، يجعلنا دولة تأكل مما تنتج وتصدر الفائض.

أما التصنيع الزراعي، ومن ضمنها تصنيع الأسمدة بأنواع متقدمة، فهو من أهم الخطوات التي يجب أن تترافق مع زيادة الأنتاج، فذلك يؤدي الى زيادة في التخزين، وتصدير الفائض بمردود أحسن وتقليل الأستيراد والطلب على العملة الأجنبية. وهذا الأمر سيكون حاسماً في زيادة التوظيف والأعتماد على السواعد الأردنية، مما يؤدي الى توزيع الأستثمار والسكان في مختلف مناطق البلد، بدل تركزها في بعض المدن الرئيسية.

ولعل أول ما يتم ذكره هي مسألة شح المياه. ولكن وبأستخدام التقنيات الحديثة الزراعية، فأن الأستخدام الحالي للمياه يمكن أن يدر أنتاجاً مضاعفاً سواء من خلال التوسع الأفقي (زيادة الرقعة الزراعية) أو العمودي (أستخدام الأرض نفسها بشكل أمثل) الزراعي. وأذكر على سبيل المثال لا الحصر تقنيات الهايدرو بونكس Hydroponics والأكوا بونكس Aquaponics والزراعة بالمياه المالحة وتشجير المناطق الجافة بما يمكن من الأشجار التي تتحمل الجفاف مثل النخيل وغيره.

أما الطاقة، فهذا قطاع أقتصادي ضخم، يمكن للأردن أن يطوره من خلال موارده الذاتية، وبالتالي يقلل من أستخدام مصادر طاقة مستوردة. ومثال ذلك الأستخدام الأمثل للصخر الزيتي، وتحسين أستخدام الطاقة الشمسية والرياح، وأستمرار أكتشاف مصادر للطاقة الأحفوربة الأخرى مثل الغاز الطبيعي والنفط، حيث تفيد بعض التقارير بأن المساحة المكتشفة نفطياً في الأردن لا تزيد عن 30% من المساحة الكلية.

ومن هنا فأن مشاريع الصخر الزيتي من توليد كهرباء أو حتى الوصول الى مرحلة ذات جدوى أقتصادية لتقطيره وأستخراج النفط منه، أو مشاريع الطاقة الشمسية والرياح، أو زيادة التنقيب عن النفط والغاز، كلها خيارات أردنية أستراتيجية لأستقلال الأردن وتخفيف أعتماده على غيره لمادة أساسية في تقدمه ورفعته، ناهيك عن توفر فرص كبيرة للعمالة والموهبة الأردنية المتعلمة والمدربة.

عدا عن كونه قطاع يساهم بشكل مباشر في أدامة صحة الوطن والمواطن، فالقطاع الصحي يعتبر درة وكنز ثمين للأردن. فهو مجال أقتصادي هائل سواء من ناحية الخدمات الطبية أو التصنيع الطبي والدوائي. وهذا أستثمار مباشر في العقل الأردني العلمي والبحثي. فالقدرات الطبية في القطاعين العام والخاص تشكل بنية تحتية هائلة لتوفير خدمات صحية محلية وتصديرية، حيث يجب التوسع في أستخدام التقنيات الحديثة من طب أتصالي (خدمات أستشارية عن بعد) أو أستخدام أجهزة وتقنيات حديثة لتشخيص وعلاج الأمراض المختلفة، والتوسع في البحث والتطوير الطبي والدوائي وغيرهم الكثير.

تعليمياً، مدرسياً وجامعياً وتربوياً، فقد ركز الأردن على توفير التعليم لكافة المواطنين. ولكن أصبح من الأساس التركيز على نوعية التعليم وتنويعه وتطويرهبما يناسب حاجات الأردن المستقبلية والتطورات العالمية، ومرادفاً لتعليم تربوي ناجح يتخرج الطالب منه وهو مسلحٌ برغبة في تطوير نفسه ووطنه، وأن تبنى ثقافة البحث والتطوير في نفسة للأستزادة المستمرة في التعلم والبحث والتطوير والتقدم. فهؤلاء الطلبة هم مستقبل الوطن، ومن لا يستثمر بمستقبله ليس له مستقبل.

ومن الأهداف الرئيسة للعملية التربوية هي ثقافة تقبل الرأي والرأي الآخر، والتعامل مع المستجدات والوقائع بعقلية وأسلوب عقلاني بعيد عن العواطف المؤججة والنقاشات الحادة، للوصول الى نتائج مقبولة للجميع. وهذه الثقافة تؤدي الى تآخي ومودة في المجتمع الواحد، وتكون أساساً في تطوير نهج الديموقراطية الفاعلة لرفعة الوطن وتقدمه.

وقد أثبت الشعب الأردني خلال التحديات المختلفة وعلى مر العقود أنه على قدر عالٍ من المسؤولية والذكاء بالتعامل مع متطلبات القيادة والحكومة والأوضاع بشكل عام، وقد أثبتت الحكومة خلال هذه الجائحة قدرتها الكبيرة في التعاطي مع الآراء المختلفة وأعادة النظر بكثير من قراراتها بناء على ردود الفعل من أصحاب العلاقة. وهنا لا بد من البناء على هذا النهج الذي يساعد في أعادة بعض الثقة بين الحكومة والشعب، وهذا متطلب رئيسي للحوكمة الصالحة والتقدم المجتمعي المتحمل لمسؤوليته الخاصة والعامة.

أن جائحة كورونا قد بينت فرصاً هائلة لقطاع الأتصالات وتقنية المعلومات في الأردن تتمثل بعدة جوانب، أهمها الخدمات الألكترونية والبنى التحتية اللازمة لذلك. فالأتصالات المتطورة تشكل البنية التحتية الأساسية للمعلواتية. وهذا بحد ذاته يشكل فرصاً هائلة للقطاع الخاص الأردني. فمع تطور التقنيات تأتي الحاجة لتطوير عوامل أمن وأمان المعلومات المتبادلة وطريقة التعامل معها وحفظها ومداولتها وأستخدامها كمنجم بحثي وعلمي وأقتصادي، وحمايتها من الأساءة ومنعها من الوصول الى جهات غير مرغوب بها.

وفي دراسة سابقة عن مجالات تطور تقنية المعلومات في الأردن، فقد خلصت الدراسة الى الأهتمام بأمن  المعلومات ومناجم المعلومات كعناصر نجاح سريعة لتطور القطاع، وهما جزئيتان لا تزالان في غاية الأهمية وتشكلان فرصاً للقطاع الخاص التقني الأردني، بالأضافة ألى توفير الخدمات الألكترونية محلياً وخارجياً، وجعل الأردن مصدراً ومركزاً رئيسياً لخدمات التجارة الألكترونية في العالم، سيما في زمن أنترنت الأشياء Internet of things والجيل الخامس من الأتصالات.

ولكون حجم السوق الأردني متواضعاً لمثل هذه الخدمات والمنتوجات، يجب أن يكون المنتج التقني الأردني قابلاً للتصدير ومتوافقاً مع الممارسات الفضلى في العالم ومتفقاً مع المنتوجات العالمية من حيث لغة البرمجة والتوافق مع برامج التشغيل وقواعد المعلومات العالمية. ويمكن النظر في انشاء جهة مختصة في أختبار وفحص البرمجيات الأردنية وأعطائها الشهادة اللازمة لأثبات صلاحية المنتج عالمياً، حيث أن هناك عدة طرق لتفعيل ذلك من خلال التعاون والتنسيق مع جهات مختلفة بالعالم.

أن أدارة هذا التغير الهائل في النهج في التعامل مع الوطن والمواطن يتطلب رغبة حقيقية مؤمنة بقدرة الأردنيين للوصول الى الأستقلال الحقيقي للبلد، وحكومات متعاقبة متفقة على أن المواطن ليس فقط مصدر أيراد للخزينة، وأنما هو عنوان التطور، ووجود الحكومة لتمكينه من التطور والتقدم. عندها تتطور البلاد وتتقدم ويصبح النهج الجديد “نجاح الدولة من نجاح مواطنها وليس نجاح المواطن من نجاح حكومته”. عندئذ يتخرج الأردن من صفة دولة ثالثة الى مصاف الدول التي تتطور وصولاً الى الدولة المتطورة بأذن الله.

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى