الرئيسيةمقالات

الفيروس الذي أتقن لعبة العولمة

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

ليس من المستغرب حقا أن فيروس كورونا كان وما زال المستخدم الأفضل والمستفيد الأكبر من جميع مبادئ العولمة، التي طالما نادت جميع دول العالم بضرورة فتح أسواقها لانتقال الشعوب والمنتجات من سلع وخدمات عبر الحدود، واعتماد نظام المعاملة الوطنية دون تمييز، وتوفير حق الدولة الأولى بالرعاية دون استثناء؟

أليس مستغربا أن فيروس كورونا كان وما زال أسرع الأمراض المعدية انتشارا؛ ليصبح أخطر الفيروسات انتقالا عبر الحدود دون تمييز أو استثناء، فأصاب أكثر دول العالم انفتاحا على العولمة وأفضلها استقبالا للسائحين وهي، طبقا لمنظمة السياحة العالمية، فرنسا وإسبانيا وأمريكا وإيطاليا وبريطانيا وألمانيا وكوريا؟ وأن الصينيين، الذين انطلق الوباء من عقر دارهم، يشكلون الكم الأكبر من هؤلاء السياح بـ150 مليون سائح صيني سنويا، يشكلون 10 في المائة من عدد السياح في العالم ويسهمون في نقل الفيروس لشعوب هذه الدول عبر الحدود؟

أليس مستغربا أيضا أن فيروس كورونا كان وما زال أشد الفيروسات تفشيا وأكثرها استغلالا للمزايا التنافسية المتوافرة في كل دولة، ليقضي على أهم سلاسل الإمداد الصناعية والزراعية، التي شكلت 37 في المائة من التجارة العالمية في قطاع السلع، فاقت قيمتها 19 تريليون دولار في العام الماضي، حيث تم تصنيع 25 في المائة منها في الصين؛ ليحتل التنين الشيوعي المرتبة الأولى في الصادرات بين دول المعمورة؟

مبادئ العولمة، التي طالما أكدت أنها الهدف الأمثل لتقدم اقتصاد الدول وازدهار الشعوب عبر تحرير التجارة وفتح الأسواق، جاء فيروس كورونا ليلقن العالم درسا لن ينساه أبدا في كيفية استغلال هذه المبادئ لمصلحته، وكشف عن قدراته الخطرة في النفاذ إلى الأسواق والانتقال عبر الحدود دون حسيب أو رقيب؛ لتتراجع دول عظمى عقودا طويلة للوراء من جراء انتشار هذا الفيروس، وليؤكد أن إمكانات العولمة البارعة في استغلال المواقف، دفعت دولا أخرى لتبني سياسات الاستفادة من الكوارث تحت قبة القرية الكونية.

من هذا المنطلق حقق فيروس كورونا غايته في استخدام مبادئ العولمة، معززا قدراته الانتشارية، المرهونة بالنظام العالمي الجديد، للسيطرة على مقدرات الشعوب الصحية والسياسية والاقتصادية. لذا، انهارت سلاسل الإمداد، وانخفضت إنتاجية المصانع، وتوقف قطاع الطيران، وتراجع نشاط السياحة؛ ما جعل الدول أكثر عرضة لهذا الفيروس لتلقي مزيد من الصدمات المفجعة، عبر الحدود، دون استثناء أو تمييز.

جاءت التقارير الدولية، ومن أهمها تقرير “فورين أوبزرفر” الأمريكي، الصادر مطلع الشهر الجاري، ليؤكد أن العبرة من درس فيروس كورونا، ليست في إخفاق العولمة؛ بل في هشاشة أنظمتها؛ لتركيزها على إلزام الدول بمبدأ تنقل الشعوب والمنتجات بحرية مطلقة عبر الحدود بدلا من تحقيق العدالة وتوفير الحوكمة في الأسواق.

وأضاف التقرير، أنه في الوقت الذي أنشأت العولمة سوقا عالمية تسمح للمنتجين ببناء سلاسل إمداد مرنة لتكون داعمة لسلسلة إمداد أخرى بحسب الحاجة، أوجدت العولمة أيضا نظاما مترابطا معقدا ومجحفا بحق الدول النامية والأقل نموا؛ ما أدى إلى ظهور نسيج متشابك من سلاسل الإنتاج، وحاكت خيوط الاقتصاد العالمي بعضها بعضا، وباتت أجزاء المنتج الواحد تصنع في عشرات الدول. ومع اتجاه سلاسل الإنتاج إلى العالمية، أصبحت الدول أكثر ترابطا واعتمادا على بعضها، حيث لا يمكن لدولة واحدة إنتاج جميع المنتجات التي يحتاج إليها اقتصادها.

على سبيل المثال، تزايد قلق مصنّعي السيارات في الاتحاد الأوروبي لدى نقص السلع الإلكترونية الدقيقة بعد إجبار المصنع الوحيد، شركة “إم تي إي” لحلول السيارات المتقدمة، على إيقاف الإنتاج في أحد مصانعها الموجود في الدولة الإيطالية الموبوءة بالفيروس.

جميع تقارير المنظمات الدولية، بما فيها منظمة التجارة العالمية، اعتبرت أن فيروس “كورونا” سيكون اختبارا مهما لمبادئ العولمة. ومع ذلك صُناع السياسة حول العالم أخطأوا في التعامل مع الفيروس ونتائجه الاقتصادية، فأخفقوا في مواجهة الحقيقة المرة، التي أثبتها انتشار الفيروس في أرجاء العالم، محصنا بعديد من مبادئ العولمة. وغاب عنهم أن هشاشة هذه المبادئ، وليس مزودي الخدمات أو منتجي سلاسل الإمدادات، تسببت في انتشار الفيروس عبر الحدود.

لذا، فإن الأزمة تفرض علينا إعادة التقييم الجذري للاقتصاد العالمي المترابط والمحصن بمبادئ العولمة، التي لم تسمح فقط بالانتشار السريع للأمراض المعدية؛ بل عززت الترابط العميق بين الشركات والدول؛ ما جعلها أكثر عرضة للصدمات غير المتوقعة. من هنا، فإن الدرس الذي تعلمناه من فيروس كورونا، ليس نتيجة فشل العولمة؛ بل هشاشة مبادئها المرتبطة بالتفكير السياسي في معظم الدول المتقدمة.

وهذا ما أكدته منظمة «أونكتاد» أن أسس إصلاح الاقتصاد العالمي تواجه عرقلة التفكير السياسي في الدول المتقدمة؛ ما سيؤدي إلى إعاقة التدخلات الاقتصادية الأكثر جرأة، لإعادة تقييم مبادئ العولمة اللازمة لمنع تهديد الأزمات الخطيرة وتراجع فرص الصدمات المتكررة الخطرة في المستقبل.

وأشارت المنظمة أيضا إلى أنه لا يمكن للبنوك المركزية أن تحل الأزمة وحدها، فهناك حاجة ماسة إلى سلسلة من الاستجابات السياسية والإصلاحات المؤسساتية لمنع الفزع الصحي العالمي الذي قد يتحول إلى انهيار اقتصادي عالمي.

ويضيف جون إكنبيري؛ أستاذ السياسة والشؤون الدولية في جامعة برينستون الأمريكية، أن الأزمة الحالية ستعطي، على المدى القصير، دفعة لجميع الدول على اختلاف مستويات نموها، لنقاش استراتيجيات صحيحة، خاصة في الاقتصادات الكبرى.

وإلى أن يتقن العالم درس العولمة من فيروس كورونا، ويعيد هيكلة مبادئها لمصلحة شعوب الأرض، سيستمر هذا الوباء في انتشاره؛ لينخفض النمو الاقتصادي ويزداد التوتر السياسي بين الدول على المدى البعيد.
فواز العلمي – الاقتصادية

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى