الرئيسيةمقالات

“همتنا”: فن الممكن

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

الغد – موفق ملكاوي

من الصعب أن تجد شخصا لم يختبر معاناة من نوع ما مع مريض سرطان. مع العائلة، أو الأقرباء أو الأصدقاء. كل تجربة تأخذ كثيراً من مساحة أرواحنا.

بعضنا يصاب بالإحباط واليأس، ويعتبر أنه ما من أمل في إنهاء المعاناة الإنسانية، أو تخفيفها على أقل تقدير، خصوصاً حين نطلع على الخدمة الطبية المقدمة لهؤلاء المرضى.

في مستشفى البشير، يحتشد المرضى منذ ساعات الفجر الأولى لكي يستطيعوا الحصول على جرعاتهم من العلاج الكيماوي. أحياناً ينتظرون ساعات طويلة في مرافق غير صالحة للانتظار.

في البشير، كان وضع قسم الأورام والدم كارثياً ومخزياً وغير إنساني.

تحدثت الدكتورة فاديا سمارة عن تجربتها مع هذا القسم حين زارته للمرة الأولى واطلعت على واقعه ونوع الخدمة المقدمة فيه. كانت كلماتها تقطر أسى وحزناً، وهي تعرض بعض الصور التي التقطتها هناك.

حينها قررت سمارة أن تطلق حملة وطنية لترميم هذا القسم بما يخدم الغاية التي أوجد من أجلها، فأطلقت حملة “همتنا مسؤوليتنا”.

بالنسبة لي، تعرفت إلى الحملة في بواكير عملها. كنت فقدت للتو شقيقتي في معركة خاسرة مع السرطان، وكنت في حاجة حقيقية إلى أن أفعل شيئاً في مواجهة هذا المرض اللعين. تلقيت دعوة لحضور حفل إطلاق المبادرة في منتدى الرواد الكبار، وبالفعل حضرتها.

منذ ذلك اليوم تعرفت إلى هذه الحملة الحقيقية التي يشترك فيها كثيرون آمنوا أن بإمكانهم أن يصنعوا فرقاً واضحاً في حياة الناس البسطاء الذين يعانون دون أن يلتفت كثيرون إلى معاناتهم.

بهمّة امرأة لم تعرف اليأس، قادت فاديا سمارة هذا الجهد الكبير الذي اشتمل على متطوعين كثيرين، محاولة أن تغير واقع قسم الأورام في مستشفى البشير، وبعد أقل من عامين، كان قد أعيد ترميم القسم وتصميمه وفقاً لأفضل المعايير العالمية المتميزة من حيث التجهيز، علاوة على رفع طاقته الاستيعابية من أسرة المرضى، وتحسين واقع غرف الانتظار.

يرى كثيرون أن ما قامت به “همتنا” هو أمر أشبه بالمستحيل، غير أن ما حدث فعلاً جاء من باب “فن الممكن”، وأيضاً من باب المعرفة بطيبة الأردنيين ونزوعهم للخير ومساعدة الآخرين.

ما تتميز به “همتنا” عن غيرها من المبادرات والحملات الوطنية الأخرى، هو أنها مأسست عمل الخير. وامتلكت قيادة حقيقية ترتب خطواتها بشكل علمي. وتنظر جيداً أين تضع خطوتها التالية، لذلك نجحت في تحقيق الهدف المرحلي الذي سارت فيه. وهو قسم الأورام في مستشفى البشير حين أطلقت شعارها الأولي، وقالت “لنبدأ بالبشير”.

بالفعل، نجحت “همتنا” في أن تكون بدايتها مشرقة كثيراً من خلال مستشفى البشير، لكن هذه المجموعة التي تذوقت حلاوة عمل الخير ومساعدة المحتاجين لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستستمر في جهودها، من خلال تنظيم عمل الخير، وعدم تركه. مجرد “هبّات” تعلو وتختفي. ستستمر “همتنا” في عطائها، لكي تجعل واقع الأردنيين أفضل، وتعينهم على أن يكون واقع الخدمات المقدمة إليهم يليق بالإنسان وكرامته.

في عملها هذا، تثبت “همتنا” بأن ثمة مسؤولية كبيرة على المجتمع، وليس على مؤسسات الدولة فحسب، في الارتقاء بواقع الخدمات جميعها. هي مسؤولية مشتركة ينبغي أن تسود حالة من التضامن حيالها لتحقيق مبدأ الشراكة. بالتأكيد نحن لا نطالب أن تتخلى الدولة عن مهامها الأساسية، ولكن أيضاً يجب ألا نتركها وحيدة، في حين نستطيع نحن أن نصنع فرقاً واضحاً في هذا المجال.

لنتخذ من “همتنا” أنموذجاً في الكيفية التي ينبغي للمبادرات أن تكون عليها، وأن نكف عن أن تكون مبادراتنا استعراضية أو شعبوية، فبلدنا في حاجة الى الكثير ولن يكون في إمكاننا صنع شيء إن نحن انتهجنا مبدأ الاستعراض.

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى