مقالات

إنترنت الأشياء وتحولات الاقتصاد

هاشتاق عربي

الاقتصادية

اذا كان تعريف إنترنت الأشياء هو أن تصبح الآلات التي تحتوي على أجهزة كمبيوتر قادرة على الاتصال ببعضها بعضا، وتبادل البيانات باستخدام الإنترنت، فإن اقتصاد إنترنت الأشياء يعني قدرة هذه الآلات بتواصلها على إنتاج قيمة جديدة.

وهنا ستظهر تحديات اقتصادية كبيرة في تفسير هذه القيمة الجديدة وتوزيعها. فالاقتصاد الذي يتصاعد فيه اليوم الاعتماد بشكل أكبر على مقدرة الآلة على العمل من دون أن يكون هناك عامل، سيغير معادلات الاقتصاد الرياضي، التي ترى العلاقات الاقتصادية قائمة أساسا على توازن بين رأس المال والعمل، وقد يجد الاقتصاديون أنفسهم اليوم حائرين أمام تفسير النمو والدخل الذي قد لا يكون العامل جزءا منه، ذلك أن الآلة كما أشرنا أصبحت بذاتها قادرة على إنتاج القيمة دون الحاجة إلى عامل، وهذا قد يقود إلى إعادة تفسير أهم معادلات الاقتصاد القياسي، وهي معدل الدخل إلى رأس المال.

ويبدو واضحا أن إنترنت الأشياء لن تكون له قدرة التأثير في طريقة معيشتنا فقط، بل سيطول طريقة العمل والأنماط الثقافية وأساليب التفكير، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الإنترنت أصبح متاحا على نطاق واسع في عديد من الدول، وعديد من الفئات الاجتماعية، وتكلفة الاستخدام آخذة في التناقص.

ستبدو الأمور أكثر تعقيدا في تفسير الأجور التي تستحق للعمال، وكم حجم هذه الأجور، خاصة إذا كانت هذه الآلات قادرة على تبادل المعلومات، بل اتخاذ القرارات بشأن كميات وأحجام التصنيع، بل حتى اتخاذ قرارات بشأن النقل والتوصيل، فالتطورات المتواصلة في شأن إنترنت الأشياء تتصاعد مع تقدم سرعات الاتصال عبر الإنترنت وقدرة الشبكات والألياف على نقل معلومات ضخمة جدا في وقت قصير، وتبادل تلك البيانات الضخمة أيضا، وإذا تحقق تقدم واسع ــ كما هو المسار الآن ــ فإن الآلات تصبح قريبا جدا قادرة على التواصل فيما بينها، من أجل اتخاذ قرارات بشأن طلبات العملاء، والتصميم، والتصنيع، وأيضا النقل والتوصيل من خلال السيارات والطائرات ذاتية الحركة، والأخطر من هذا وذاك أن تعمل هذه الآلات فيما بينها موردا ومشتريا، فما تحتاج إليه آلة قد توفره آلة أخرى، ومثل ذلك عند حاجة السيارات ذاتية الحركة إلى الإصلاح، فإنها ترسل بياناتها إلى الصيانة التي تقوم بذلك. هذا التصور المعقد للمستقبل القريب يؤكده وجود أكثر من 26 مليار جهاز متصل بالإنترنت، وسيرتفع هذا العدد إلى 30 مليار جهاز العام المقبل، وسيصل إلى 75 مليارا بحلول عام 2025، وهذه ستشكل شبكة عملاقة من “الأشياء” المتصلة بالإنترنت، كما تفسر الحرب المستعرة اليوم بين أطراف العالم كافة للهيمنة على الإنترنت السريع من خلال الجيل الخامس وما قد يليه، فمن سيسيطر على كيفية تواصل الأجهزة فسيسيطر عليها في أي مكان، وهنا تبدو الأمور مقلقة.

فلا غرابة إذن في أن تتسابق الولايات المتحدة والصين في مجال الإنفاق على إنترنت الأشياء حاليا، إذ يبلغ الإنفاق الأمريكي نحو 194 مليار دولار سنويا، أما الصين فيصل إلى 182 مليار دولار، وبحلول عام 2025 ستشكل الدولتان معا نصف الإنفاق العالمي على إنترنت الأشياء. وتشير البيانات إلى أن الإنفاق العالمي على إنترنت الأشياء قفز من 647 مليار دولار عام 2018 إلى 726 مليار دولار في جميع أنحاء العالم هذا العام، وسيتجاوز تريليون دولار بحلول عام 2022، وسيبقى السؤال دائما عن العوائد والدخل، ومن سيكون الأحق به، وهذا لن تفسره معادلات الاقتصاد الحالية، كما لا يبدو أن الاقتصاديين مدركون ما يحدث من تحولات هائلة، وهو ما يفاجئ العالم بما لا تحمد عقباه من تحولات في اتجاهات الإنتاج نحو الآلة، ويبقى الإنسان في كساد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى