هاشتاق عربي
ولأنه من غير العملي تحريك مبالغ كبيرة من النقود الورقية والعملات المعدنية نشأت نظم الدفع باستخدام الأوراق ثم نظم المدفوعات الإلكترونية.
مع هذا، فإن اكتساب الثقة في غياب النقدية مسألة معقدة وتستغرق وقتا طويلا. واقتناء بطاقة ائتمان أو بطاقة سحب مباشر يقتضي أن يجيب مقدم الطلب على أسئلة عديدة، ويقتضي أن يتحقق البنك المصدر للبطاقة من صحة الإجابات ورصيد مقدم الطلب. ويتطلب استخدام البطاقة بنية تحتية معقدة لضمان تنفيذ معاملات سريعة وجديرة بالثقة وآمنة، وتكلف البائع نسبة من كل عملية بيع.
وتعتمد التحويلات المحلية بين المصارف على نظم المدفوعات التي تشغلها البنوك المركزية، بينما التحويلات الدولية قد تدخل فيها مصارف تجارية أخرى بين مصرف المرسل ومصرف المرسل إليه.
إضافة إلى ذلك، قد تستغرق هذه المعاملات عدة أيام. وكمثال آخر، بينما نحن نربط أسواق الأسهم الحديثة بعمليات تداول إلكترونية تكاد تكون فورية، فإن تسوية المعاملات يمكن أن تستغرق يومين أو ثلاثة وتتطلب تدخل أطراف أخرى، بما في ذلك أمناء الحفظ والموثقون وغرف المقاصة ومستودعات الأوراق المالية المركزية. وإلى حين تسوية المعاملات، يجب على المؤسسات المالية أن تجنب مبالغ نقدية كبيرة أو أصولا سائلة أخرى لتغطية مراكزها في حالة عدم تسديد أي من هذه الأطراف المعنية بالمعاملة ما عليه.
هل من شأن التكنولوجيا أن تجعل الأمور أبسط وأقل تكلفة مرة أخرى؟ اشترك في” بيتكوين”، تلك العملة الرقمية التي يقول البعض إنها ستكون نهاية المصارف، بينما يرى آخرون أنها خطة “بونزي” للاستثمار الاحتيالي ووسيلة مالية للمجرمين. إن “بيتكوين” أو على نحو أدق، التكنولوجيا الأساسية التي تسمح لها بالعمل، وتسمى دفاتر الحسابات الرقمية الموزعة أو “بلوكتشين” يمكن أن تسمح بما يراه كثيرون عملية جذرية لربط القطاع المالي بشبكة سلكية.
وقصة “بيتكوين” معروفة: بدأت عندما قام ساتوشي ناكاموتو وهو الاسم الذي استخدمه مبتكرها، الذي لا تزال هويته الحقيقية غير معروفة بنشر بحث وبرمجيات في قائمة من نشطاء الإنترنت: آندرياس آدريانو، وهانتر مونرو أحد الحضور يدخل مؤتمر “بيتكوين”، والثقة مدينة نيويورك، الولايات المتحدة إن الذين يتناقشون عبر البريد الإلكتروني ويعتقدون أن التشفير يمكن أن يحقق تغيرا اجتماعيا وسياسيا “دعاة التشفير”. وبدأ آخرون يهتمون بهذا المسألة وسرعان ما شرعوا في تطوير
الفكرة بالوسائل الإلكترونية. وبدأ تداول “بيتكوين” عام 2009 بسعر صرف هو 0. 0007 بيتكوين مقابل الدولار. وفي شباط (فبراير) 2011 كانت قد بلغت سعر التعادل مع الدولار. وفي نوفمبر2013، وصلت قيمة “بيتكوين “إلى أعلى مستوياتها فبلغت 1.242 دولار، وبلغت قيمة تداولها ما يزيد على 400 دولار طوال عام 2016 تقريبا. وتبلغ قيمة “بيتكوين” المتداولة نحو ستة مليارات دولار” مقارنة بتداول نحو 1.5 تريليون دولار في أنحاء العالم”.
في البداية، استولت “بيتكوين” على خيال دعاة التحرر الراغبين في التخلص من المصارف والبنوك المركزية أو على الأقل إيجاد بديل لها. ومثلما أثارت طفرة أسعار الصرف نوعا من التهافت على الذهب، فإن سمة إخفاء الأسماء نسبيا عند التعامل في “بيتكوين” وسهولة تداولها جذبت تجار المخدرات وغيرهم من المجرمين، ما أدى إلى شن حملات مكثفة لإنفاذ القانون في عامي 2013 و2014 انتهت بالسجن لبعض أصحاب الأعمال الحرة المبتدئة والإساءة إلى سمعة المبادرة.
وسرعان ما أدرك أصحاب المشاريع التكنولوجية ورجال صناعة المال أن الأنباء الحقيقية كانت مستترة، ونعني تكنولوجيا “بيتكوين” الأساسية وهي دفاتر الحسابات الرقمية الموزعة. وأساسا هي تكنولوجيا للتحقق من المعاملات وقيدها على أساس التعامل بين النظراء دون سلطة مركزية. وتقلب أحد المبادئ الأساسية في صميم نظم المدفوعات رأسا على عقب: وهو وجود ماسك دفاتر واحد مركزي مستقل وموثوق يخزن كل المعاملات ويتحقق من صحتها، وغالبا ما تؤدي هذا الدور البنوك المركزية.
لكن مع “بيتكوين”، يستطيع أولئك الذين يوجدون على شبكة الإنترنت أن يتحققوا من صحة معاملاتهم ويقيدوها في دفتر الحسابات الخاص بهم. ويجمعون المعاملات خلال فترة محددة في كتلة، يتبعها ختم يمنع التزوير. وهناك رابط بين كل كتلة معاملات وكتلة الفترة السابقة، ومن هنا جاء مصطلح بلوكتشين blockchain واستكمال الكتلة لفترة ما يقتضي إجراء بعض الأعمال الحاسوبية.
يقدم عديد من الشركات المبتدئة بالفعل خدمات أداء المدفوعات والتحويلات بمبالغ صغيرة مقابل تكلفة منخفضة تستخدم فيها “بيتكوين” كنظام مدفوعات، وليست كعملة. وبدلا من فرض رسوم تبلغ 8 في المائة لإرسال تحويلات العاملين في الخارج، فإن الشركة المبتدئة Circle Internet Financial، على سبيل المثال تؤدي هذه الخدمة مجانا.
فتطبيقها اللامع على الهواتف المحمولة يتضمن مميزات وسائط التواصل الاجتماعي كإرسال الصور والرموز التعبيرية مع إخطار الدفع، وهو ما يروق للفئات الأصغر سنا المعتادين على التعبير عن أنفسهم باستخدام الرموز التعبيرية المبتسمة.
ويربط المستخدمون ملفاتهم الشخصية بحساب مصرفي أو بطاقة في نهاية كل معاملة وببساطة “يرسلون” النقود لبعضهم بعضا من أي مكان في العالم. وترى المعاملات عبر “بيتكوين”، لكن لا يحتاج المستخدم إلى معرفة كيفية تنفيذها. وإذا لم يكن المتلقي مشتركا في نظام بيتكوين يمكنه أن يحصل على النقود من خلال “محفظة رقمية” أخرى “تطبيقات تسمح بتخزين “بيتكوين” أو أي عملة أخرى في هاتف ذكي” أو من شباك موظف في إحدى شركات تحويل الأموال مقابل رسم زهيد، شريطة أن تكون هذه الشركات هي أيضا من المتعاملة في “بيتكوين”.
ويقول جيريمي ألير، المسؤول التنفيذي الأول في شركة سيركل Circle “إنها مثل الرسالة عبر البريد الإلكتروني. فأنت لا تهتم بمعرفة مسار الرسالة عبر شبكة الإنترنت”.
ويشرح كيف كانت المربية الفلبينية لديه في كاليفورنيا تنفق نحو 50 دولارا مقابل كل تحويل إلى موطنها بينما أصبحت الآن تدفع مبلغ 0.75 سنت، لمجرد أن أسرتها في الطرف الآخر من المعاملة لا تستخدم “سيركل”. ونتيجة لتنفيذ المعاملات بسرعة بالغة، فإن التقلب المعروف عن “بيتكوين” لا يمثل أي مشكلة في واقع الأمر. وتجمع “سيركل” بين الطبيعة الرقمية المقبولة وبعض المميزات “الحقيقية” القديمة الجيدة. إنها مسجلة كمؤسسة تقدم خدمات مالية، ما يسمح لها بتقديم كثير من الخدمات المصرفية، ما عدا إقراض واستثمار أموال العملاء، وتتمتع بحماية حكومة الولايات المتحدة لودائعها. وأصبحت أخيرا مرخصة في المملكة المتحدة وأسست علاقة شراكة مع بنك باركليز.
وكحال كثير من مديري الشركات المبتدئة في أوائل أيام الإنترنت، فإن ألير، الذي تمتلئ خزائنه بأموال أصحاب رأس المال المخاطر، ليس قلقا من مسألة الربحية في الأجل القصير. ويقول “إن شركتنا تدخل في سوق تولد إيرادات تصل إلى تريليونات الدولارات في العام لمصارف الخدمات الفردية. وهناك أقسام هائلة للغاية من حصة السوق التي ستدمرها أو يتسنى الوصول إليها باستخدام المنتجات المصرفية الرقمية. فلم يكن النجاح
حليف كثير من الشركات في مطلع الألفينات لأنها كانت تركز بدرجة كبيرة على كسب العملاء وتركز بدرجة طفيفة على نقدهم؟ ويضيف قائلا “وبين أكبر شركات الإنترنت، بدأ جميعها بالتركيز دون هوادة على تقديم خدمات مجانية للعملاء وهو ما حقق بالفعل قيمة كبيرة للعملاء. وقدمها لأعوام عديدة حتى أصبح لها تأثير كبير”.
إن الحصول على مكافأة في “بيتكوين”، ومن ثم يطلق على المتنافسين على استكمال الكتل “عمال المناجم miners ومن ثم تجمع بيتكوين” بين منهج النظراء وأمن التشفير، فأصبحت أول عملة رقمية ناجحة، بعد عدة عقود من تجارب لم يكتب لها النجاح.
إذن ما مدى أهميتها؟ يشرح لنا هذه المسألة مارك أندريسن، وهو أمريكي صاحب مشاريع، على النحو التالي: تمنحنا “بيتكوين” لأول مرة وسيلة يستطيع من خلالها مستخدم واحد لشبكة الإنترنت تحويل قطعة فريدة من الملكية الرقمية إلى مستخدم آخر للشبكة، ومن أجل ضمان أمن وسلامة التحويل، يعرف الجميع إجراء هذا التحويل، ولا أحد يستطيع أن يطعن في شرعية هذا التحويل. وذكر في مقال نشر في جريدة “نيويورك تايمز” في كانون الثاني (يناير) 2014 إنه “لا يسعنا المبالغة في عواقب هذا الإنجاز”.
وكان أندرسون أحد رواد شبكة الإنترنت، وهو مخترع أول متصفح واسع الاستخدام على الشبكة، فأسس “تسكيب” عام 1993 بينما كان لا يزال طالبا جامعيا. ويدير الآن أندريسن هوروويتز، واحد من أكثر صناديق رأس المال المخاطر المؤثرة في سيليكون فالي. ويحقق أصحاب رأس المال المخاطر مكاسبهم بالبحث عن الشيء الكبير التالي حتى قبل أن يكون شيئا. وكان أندرسون وكثيرون غيره من أصحاب رأس المال المخاطر هم الذين قدموا التمويل لمؤسسي الإنترنت وهم كما نعلم الذين يراهنون الآن على “بيتكوين” وتكنولوجيا “بلوكتشين” التي تقوم عليها. ويرون أن هذه التكنولوجيا إنجاز يمكن أن يحقق مستوى الثقة نفسه الذي تتميز به المعاملات النقدية بين مشاركين غير معلومين ومنفصلين ماديا. ويتوقع البعض أن هذه القدرة على إلغاء دور الوساطة لأي طرف ثالث موثوق به ستكون أكثر التطورات التكنولوجيا المدمرة منذ مجيء الإنترنت. وتدل “المغالاة” في استخدام كلمة “مدمرة” على تكنولوجيا جديدة تهز أركان، أو حتى تدمر، نماذج العمل التقليدية. ولنفكر مثلا في “أمازون” ومحال بيع الكتب، أو “أوبر” وسيارات الأجرة. إن تدمير الصناعة المالية، وهي أكثر مجالات الأعمال تنظيما في العالم، مسألة مختلفة تماما. إنه أمر ممكن، بل حتى مرغوب فيه، كما كتب مارتن وولف في جريدة “فاينانشيال تايمز” أخيرا، بالنظر إلى عديد من أوجه القصور في هذا الصناعة، لكنها معقدة للغاية من جميع جوانبها القانونية وعلى مستوى المالية العامة والقطاع المالي والعمليات.
*الاقتصادية