مقالات

استيلاء الروبوتات على وظائفنا خرافة لا يسندها الواقع

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي – تيم هارفورد

“عدد الوظائف التي خسرها الإنسان وذهبت إلى الآلات الأكثر كفاءة هو فقط جزء من المشكلة. في الماضي كانت الصناعات الجديدة توظف عددا من الناس يفوق كثيرا عدد الذين تخرجهم من سوق العمل. لكن هذا لا ينطبق على كثير من صناعات اليوم الجديدة”.

الشكوى المذكورة من الآلات في الفقرة السابقة، مأخوذة من مقال نشرته مجلة “تايم” بتاريخ 24 شباط (فبراير) 1961، بعد مرور أسابيع قليلة على دخول الرئيس جون كينيدي إلى البيت الأبيض. مع ذلك يمكن أن تدخل هذه الفقرة بكل سهولة ويسر في كثير من الخطب السياسية المعاصرة. مثل أي روبوت قاتل لا يرحم من المستقبل جدير بهذا الاسم، يستمر القلق من التكنولوجيا في العودة إلى الأذهان.

فيلم “تيرمينيتور”، بطولة أرنولد شوارزينجر، من أفلام الخيال العلمي – لكن هذا ينطبق أيضا على فكرة أن خوارزميات برامج الكمبيوتر تقضي على الوظائف أسرع مما يمكن استحداثها. هناك تفاوت مذهل بين خوفنا من الأتمتة وبين الواقع حتى الآن.

كيف نستطيع تفسير ذلك؟ الطرقات العامة في وادي السليكون مليئة بالسيارات ذاتية القيادة. اذهب إلى السينما، أو السوبر ماركت، أو المصرف، وستجد أن أكثر الموظفين الذين تراهم هم حراس الأمن الذين يفترض أنهم موجودون لمنعك من سرقة الآلات الثمينة. جهاز الكمبيوتر كان في الماضي يكتفي بتصحيح أخطائك الإملائية، لكنه اليوم يترجم ما تكتبه من نثر إلى اللغة الصينية. بالنظر إلى كل هذه الأمور، أليس من المؤكد أن الروبوتات لا بد أنها سرقت وظيفة أو وظيفتين حتى الآن؟

بطبيعة الحال، الجواب هو أن الأتمتة كانت تدمر وظائف معينة في صناعات معينة منذ فترة طويلة، وهذا هو السبب في أن معظم الغربيين الذين يحيكون الملابس، أو يزرعون ويحصدون المحاصيل بأيديهم إنما يفعلون ذلك من أجل المتعة. في الماضي كانت هذه العملية تزيدنا غنى.

مصدر القلق الآن هو أن الكمبيوتر يجعل الوظائف غير لازمة بصورة أسرع مما نستطيع بها توليد وظائف جديدة، وبالتالي النتيجة ستكون بطالة على نطاق واسع، ما يجعلنا أمام فئة من أهل الامتيازات من المنتفعين المالكين للروبوتات والعمال ذوي الرواتب العالية الذين يتمتعون بمهارات في مستوى الروبوتات.

هذه الفكرة معقولة على السطح: نحن محاطون بأجهزة كمبيوتر رخيصة وقوية، وكثير من الناس فقدوا وظائفهم في العقد الماضي، والتفاوت الاجتماعي ارتفع خلال السنوات الـ 30 الماضية.

لكن يمكن إخضاع النظرية إلى اختبار بسيط: ما مدى نمو الإنتاجية؟ المقياس المعتاد للإنتاجية هو الناتج لكل ساعة عمل، من قبل الإنسان. تستطيع الروبوتات أن تعطي ناتجا اقتصاديا دون أي ساعات عمل بشرية على الإطلاق، بالتالي حين نطلق فجأة مجموعة من الروبوتات للعمل فمن المفترض أن يؤدي ذلك إلى تسارع مفاجئ في الإنتاجية. لكن الواقع هو أن الإنتاجية مخيبة للآمال. في الولايات المتحدة كان متوسط نمو إنتاجية اليد العاملة عند نسبة مثيرة للإعجاب هي 2.8 في المائة سنويا من عام 1948 إلى 1973. وكانت النتيجة رفاهية جماعية بدلا من البطالة الجماعية. بعد ذلك تراجعت الإنتاجية على مدى جيل، ثم تعززت في أواخر التسعينيات، لكنها عادت وتراجعت مرة أخرى. الصورة أفضل قليلا في بريطانيا، حيث تشتهر إنتاجية اليد العاملة بأنها متدنية مقارنة بالاقتصادات الكبيرة لمجموعة السبع، وهي تشهد مزيدا من الانحدار وراء المجموعة منذ 2007.

حين ننظر إلى الأمر على مدى 40 سنة، نجد أن أثر هذا الضعف الطويل في الإنتاجية لدى العمال العاديين في البلدان الغنية أكبر من الارتفاع في التفاوت الاجتماعي، أو من الأزمة المالية لعام 2008. في عصر مليء بخيبات الأمل الاقتصادية، كان أسوأ شيء هو الفشل العنيد للروبوتات في الاستيلاء على وظائفنا. لماذا إذن تكثر التعليقات المخصصة لوجهة النظر العكسية؟ جزء من هذه الظاهرة يكمن في خطأ بسيط: لقد كان ذلك عقدا صعبا، من الناحية الاقتصادية، ومن السهل أن نلوم الروبوتات على المتاعب التي يجب أن يلام بسببها الآخرون، مثل المصرفيين، والمتحمسين للتقشف، والسياسيين في منطقة اليورو.

من الصحيح أيضا أن الروبوتات تحقق تقدما مثيرا للإعجاب في بعض المجالات. جيل برات، وهو خبير في الروبوتات، تطرق أخيرا إلى “الانفجار الكمبري” في الروبوتات في مجلة “إيكونوميك برسبكتيفس”. ومع أن الروبوتات في الماضي القريب لم تفعل شيئا يذكر بحيث تتسبب في بطالة عامة، إلا أن هذا الأمر ربما يتغير في المستقبل.

كذلك عملت الأتمتة دون شك على تغيير شكل سوق العمل – الاقتصادي ديفيد أوتور، في مقال في المجلة نفسها، يوثق ارتفاعا في الطلب على الوظائف ذات المهارة المتدنية والوظائف ذات المهارة العالية، مع تفريغ للوظائف في الوسط. وهناك علامات على أن هذا الفراغ يتحرك أبعد باستمرار إلى الجانب العلوي من طيف المهارات. صحيح أن الروبوتات لا تستحوذ على وظائفنا، لكنها بالتأكيد تعمل على خلطها.

لكن أوتور يشير إلى إحصائيات لافتة للنظر إلى حد كبير: الاستثمار الخاص في أجهزة الكمبيوتر والبرامج في الولايات المتحدة ينخفض بصورة متواصلة تقريبا على مدى 15 عاما. من الصعب التوفيق بين ذلك وبين قصة انهيار الوظائف الصاعق على أيدي الروبوتات. أليس من المؤكد أننا ينبغي أن نتوقع أن نشهد اندفاعا في استثمارات تكنولوجيا المعلومات في الوقت الذي يتم فيه تركيب كل هذه الآلات؟

بدلا من ذلك، في أعقاب الركود العظيم، لاحظ المديرون وفرة في عرض اليد العاملة الرخيصة واستغنوا عن الآلات في الوقت الحاضر. ربما هناك مهجع هائل في مكان ما تحت الأرض، يتألف جميعه من الفولاذ والبوجيات وكائنات الأندرويد النائمة. في إحدى الزوايا، هناك سيارات آلية مطلية بالكروم وهي تدق مقدمتها بأحد الأعمدة وتتحسر على حقيقة أن البشر استحوذوا على جميع وظائف الروبوتات.

المصدر: Financial Times

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى