الرئيسيةمسؤولية اجتماعية

جدار ضخم في وسط أفريقيا لوقف زحف الرمال

شارك هذا الموضوع:

هاشتاق عربي

اذا زرت بلدة باغا في أقصى شمالي غانا، عليك أن تتوخى الحذر. فإذا ضللت الطريق في هذه البلدة الحدودية، قد تجد نفسك في مواجهة أنياب تمساح ضخم من التماسيح التي تستوطن هذه البلدة.

وأقام سكان هذه البلدة علاقة وطيدة مع هذه الزواحف القوية التي تعيش في البرك “المقدسة” في أنحائها المختلفة. وقد يرجع ذلك إلى الأسطورة التي يتناقلها أهل البلدة التي تقول إن تمساحا أنقذ أول زعيم لبلدة باغا بينما كان في رحلة صيد، وأصدر الزعيم أوامره لسكان البلدة بعدم إيذاء الحيوانات منذ ذلك اليوم.

ولا يزال السكان يعتنون بالتماسيح ويطعمونها، وتغسل النساء ثيابهن في نفس البرك التي تعيش فيها التماسيح، والبعض تدفعه شجاعته للسباحة بالقرب منها. وقد يتجرأ السياح على التقاط صور مع التماسيح التي يقول السكان إنها غير مؤذية ما دمت بعيدا عن وجهها.

لكن قرية باغا يحيق بها خطر داهم يتمثل في الأراضي المحيطة بها. إذ تقع القرية في الطرف الجنوبي لمنطقة الساحل الأفريقي شبه القاحلة، وتحاصرها من كل جانب أراض مغطاة بتربة رملية رقيقة غير مستقرة. وقد تساعد جذور الأشجار الملتوية والشجيرات الشائكة القادرة على تحمل فترات الجفاف في المنطقة، في تثبيت التربة وزيادة تماسكها.

غير أن الكثير من هذه الأشجار اقتلعت جراء الزيادة السكانية في قرية باغا وغيرها من القرى المجاورة، واستخدمت أخشابها لتوفير الوقود ومواد البناء، واستغلت الأراضي في زراعة المحاصيل. ومن ثم أصبحت التربة أكثر عرضة للانجراف بفعل الرياح والعواصف الممطرة، وأخذت الأراضي تتحول شيئا فشيئا إلى صحراء.

ويقول جوليوس أواريغيا، مؤسس إحدى الجمعيات البيئية في باغا، إن قطع الأشجار أدى إلى تدهور البيئة، وسيكون له تداعيات جسيمة على الأجيال القادمة.

ويساعد أواريغيا في تنسيق الجهود لمكافحة التصحر عن طريق بناء جدار، ليس جدارا تقليديا من الحجارة والخرسانة، لكنه حاجز من جذوع الأشجار وأغصانها وأوراقها، أي حزام أخضر حي لوقف زحف الصحراء على الأراضي الخصبة.

وفي اليوم الذي التقيته، كان أواريغيا قد أرسل بالفعل أعضاء من فريقه لثلاث قرى مجاورة في شاحنات محملة بالبذور لزراعة أشجار جديدة، منها الأكاسيا وأشجار النيم وأشجار التبلدي أو الباوباب، التي تعد من أهم الأشجار في المنطقة.

ولأشجار التبلدي شكل مميز يلفت الأنظار، إذ تبدو جذوعها منتفخة وتعلوها فروع قصيرة وغليظة تنمو لأعلى، كأنها من عالم آخر. أما ثمارها فهي طرية كثيرة العصارة، تلائم الظروف القاسية والجافة في غابات السافانا، وقد تعيش هذه الأشجار لما يزيد على 2000 عام.

وتثمر هذه الأشجار المعمرة بعدما تبلغ نحو 200 عام، وتكون ثمارها في البداية خضراء ذات غلاف شائك، يُترك على الفروع في الشمس ليجف ويصبح في صورة قشرة بنية ملساء تحتوي على لب جاف أبيض مائل إلى الصفرة حمضي المذاق. ولهذا فإن الشتلات التي يزرعها فريق أواريغيا ستجني ثمارها الأجيال القادمة.

ويعشق سكان قرية باغا ثمار التبلدي، فتجمع نساء القرية الثمار الجافة الناضجة ويصنعن منها الصلصات أو العصيدة أو نوعا من الحلوى. وتخرج الآن مجموعات من النساء من القرى بانتظام خلال الفترة بين ديسمبر/كانون الأول وأبريل/نيسان لجمع الثمار ونقلها إلى القرى، حيث تُفرز ويُطحن جوفها إما يدويا أو بالآلات.

ويُعبأ مسحوق ثمار التبلدي في أكياس ويُشحن إلى أوروبا، حيث يجد طريقه إلى الأطعمة والعصائر الصحية التي زاد الإقبال عليها مؤخرا. إذ بلغ حجم سوق ثمار التبلدي عالميا نحو 3.5 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز خمسة مليارات دولار في السنوات الخمس المقبلة.

وطرحت شركات عديدة، مثل “كوكاكولا” و”كوستكو”، و”إينوسنت” للعصائر و”سوجا”، و”يو فالي” منتجات جديدة تحتوي على ثمار التبلدي، الغنية بفيتامين سي والكالسيوم والمغنسيوم والبوتاسيوم والحديد.

واكتسبت هذه الشجرة بين عشية وضحاها أهمية اقتصادية بالاضافة إلى قميتها الغذائية في بعض البلدان، مثل غانا.

يقول أندرو هانت، الذي شارك في تأسيس شركة “أدونا” للمنتجات الغذائية الصحية التي تستورد مسحوق ثمار التبلدي من غانا وبوركينافاسو: “إن شجرة التبلدي لها أهمية ثقافية كبيرة في أفريقيا، وتعد في بعض المناطق من الأشجار المقدسة ويعتقد السكان أنها تحتضن أرواح الأجداد، لكن قيمتها الاقتصادية كانت محدودة في السابق وكانت تُقتلع لإفساح المجال لزراعة المحاصيل النقدية.”

ونظرا لتزايد الطلب على ثمار التبلدي، لمس سكان المناطق القاحلة فوائد حماية هذه الأشجار المعمرة. إذ يقول هانت إن الشركة تدفع نحو 10 جنيهات إسترلينية مقابل 38 كيلوغراما من ثمار التبلدي. ولهذا فإن مبيعات ثمار التبلدي تساعد في تحسين دخل النساء اللائي يجمعنها في الكثير من هذه القرى التي يقل متوسط الدخل السنوي فيها عن 40 جنيها إسترلينيا، فضلا عن أنها أسهمت في تمويل زراعة 5,000 شجرة تبلدي جديدة العام الماضي ومن المتوقع أن يتضاعف عددها العام الحالي.

وتعد هذه الخطط جزءا من مشروع أكبر يعرف باسم “الجدار الأخضر العظيم”، الذي يرمي إلى زراعة حاجز عرضه 8,000 كيلومتر وسط أفريقيا لوقف زحف الصحراء. إذ تزامن تراجع هبوط الأمطار والتصحر وتدهور التربة مع توسع رقعة الصحراء الكبرى.

وعلى مدى القرن الماضي، زادت مساحة الصحراء الكبرى بما يزيد على 7,600 كيلومتر سنويا، وأصبحت مساحتها الآن أكبر منها في عام 1920 بنحو 10 في المئة. وكان الزحف الصحراوي أكثر وضوحا جنوبا في منطقة الساحل الأفريقي. وتغطي الصحراء الآن 9.4 مليون كيلومتر مربع.

وتقدر الأمم المتحدة مساحة الأراضي التي تبور سنويا حول العالم بسبب التصحر والجفاف بنحو 12,000 كيلومتر مربع.

ويقول إبراهيم ثياو، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إن التصحر أشبه بالسرطان، وتقدر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التصحر يوميا حول العالم بنحو 1.3 مليار دولار، جراء فقدان الأراضي الزراعية والمراعي والأراضي التي قد تستخدم للبناء والسياحة.

ودشن الاتحاد الأفريقي مشروع “الجدار الأخضر العظيم” في عام 2007، لوقف زحف أكبر صحراء في العالم، واستعادة خصوبة الأراضي المتدهورة. وقد شرعت بالفعل أكثر من 20 دولة في منطقة الساحل الأفريقي في زراعة الأشجار، بدعم من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، لبناء أكبر حزام أخضر في العالم.

وقد أنفقت حتى الآن نحو ثمانية مليارات دولار لاستحداث ممارسات جديدة لإدارة الأراضي وتحسين جودة التربة، مع الاستفادة من الطرق الزراعية التقليدية التي يستخدمها المزارعون المحليون.

إذ يستخدم المزارعون في بوركينا فاسو ومالي والسنغال طريقة تقليدية لاستعادة خصوبة الأراضي المتدهورة تتضمن وضع الحجارة في صفوف وشبه دوائر لحجز المياه في المواسم الجافة حتى تتغلغل في التربة الجافة. ويزرع الفلاحون في غانا عشبة الفيل للحفاظ على تماسك التربة ويستخدمونها أيضا في صناعة السلال.

وقد زرعت السنغال وحدها أكثر من 12 مليون شجرة مقاومة للجفاف منذ بداية مشروع الجدار الأخضر العظيم. ويقول ثياو إن نحو 300 ألف كيلومتر مربع من الأراضي المتدهورة استعادت خصوبتها في 20 دولة حتى الآن.

وتهدف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إلى استعادة خصوبة مليون متر مربع من الأراضي المتدهورة في أفريقيا بحلول عام 2030، على أمل تحسين الأمن الغذائي في منطقة الساحل الأفريقي وفي الوقت نفسه سحب ملايين الأطنان من الكربون من الغلاف الجوي.

ورغم النجاح الطفيف الذي حققته مشروعات مشابهة خارج أفريقيا، مثل مشروع وقف زحف صحراء غوبي في الصين، إلا أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر تأمل أن يغري الطلب العالمي المتزايد على بعض المحاصيل في المناطق شبه القاحلة مثل ثمار شجرة التبلدي، شركات المواد الغذائية متعددة الجنسيات على الاستثمار في برامج زراعة الأشجار في بعض المناطق مثل القرى المحيطة ببلدة باغا.

وبالإضافة إلى شجرة التبلدي، زادت أهمية بعض المحاصيل الآخرى الغنية بالفوائد الصحية والملائمة للبيئات القاحلة في بعض مناطق الساحل الأفريقي، مثل أوراق أشجار المورينغا وأشجار الشيا، التي تستخدم بذورها في صناعة الكثير من مستحضرات التجميل.

ويقول هانت إن هناك محاصيل عشبية تنمو في غرب أفريقيا قد تغزو الأسواق العالمية مستقبلا، مثل حبوب الفونيو الغنية بالفوائد الصحية.

لكن ليندساي سترينغر، خبيرة في تدهور الأراضي والمياه بجامعة ليدز بالمملكة المتحدة، تحذر من الإفراط في زراعة محاصيل بعينها في المنطقة سعيا وراء الربح المادي أو طمعا في الاستثمارات، لأن هذا قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل المسببة للتصحر. وتقول إن هناك دوافع اقتصادية وسياسية أوسع نطاقا وراء مشكلة التصحر.

وترى في المقابل أن زراعة النخيل وأشجار الفاكهة قد تسهم في تثبيت التربة وتوفير الظلال وتحسين الأمن الغذائي لسكان المنطقة. وقد سهم توزيع قطع أراضي على السكان في تشجيعهم على تحسين طرق إدارة الأراضي.

وثمة طرق أخرى لمكافحة التصحر، مثل إقامة محطات طاقة شمسية للحد من قطع الأشجار واستغلال أخشابها في الوقود. وتسخر مدينة ورزازات المغربية على سبيل المثال الطاقة الشمسية لمعالجة مياه الصرف الصحي واستخدامها في ري الأراضي المجاورة.

ويجري بعض المهندسين البيولوجيين في بوركينا فاسو تجارب لتلقيح أشجار الأكاسيا ونبات اللوبيا بالفطريات والبكتيريا لمساعدتها في مقاومة الجفاف وتحفيز نموها.

ويحاول المزارعون في باغا تصنيع الفحم الحيوي من القش ومخلفات المحاصيل الزراعية، لتحسين خصوبة التربة.

وساهم تصدير ثمار التبلدي إلى أوروبا والولايات المتحدة في تمكين النساء اللائي يحصدن الثمار في مجتمعاتهن وأصبح لديهن دخلا خاصا يتيح لهن اتخاذ القرارات في نطاق العائلة.

ويقول أواريغيا إن المجتمعات المحلية وضعت قوانينها الخاصة لحماية الأشجار ومنع حرقها. وهذا يعني أن سكان باغا سيعيشون جنبا إلى جنب مع التماسيح لسنوات أطول.

البي بي سي 

_

يمتلك مبيضين خبرة تقارب الـ 10 اعوام في مجال العمل الصحافي، ويعمل حاليا، سكرتير تحرير ميداني في صحيفة الغد اليومية، وصحافيا متخصصا في تغطية أخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الملكية الفكرية، الريادة، والمسؤولية الإجتماعية. ويحمل مبيضين شهادة البكالوريوس من جامعة مؤتة – تخصّص ” إدارة الأعمال”، كما يعمل في تقديم إستشارات إعلامية حول أحداث وأخبار قطاع الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأردني. Tel: +962 79 6542307

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى